الهيئة اللبنانية للتاريخ تطلق كتاب مؤتمرها «نحو مسار لتطوير تعليم التاريخ في لبنان»
أطلقت الهيئة اللبنانية للتاريخ كتاب مؤتمرها (الذي نظّمته السنة الفائتة 2021) «نحو مسار لتطوير تعليم التاريخ في لبنان، خلاصات وتوصيات مؤتمر دردشة في تحولات ومقاربات تعليم التاريخ في لبنان» في ندوةٍ نظّمتها في السادس من تموز في دار النمر في منطقة بيروت كليمنصو حيث أدارت الأستاذة نايلة حمادة نقاشًا مع الدكتور المؤرّخ أنطوان الحكيّم، والدكتورة هيفاء الإمام والأستاذ المتخصّص في صناعة المناهج أمل وهيبة.
وكان رئيس الهيئة الدكتور أمين الياس قد أطلق الندوة بكلمةٍ مقتضبة شرح فيها لإطار هذا الكتاب ولرؤية الهيئة ومقاربتها لتعليم التاريخ في لبنان والتي تسعى لجعل التاريخ في المدرسة مجالًا معرفيًا يتمّ من خلاله بناء ملامح الإنسان المرتجى في لبنان. ثم تلته المديرة الإقليمية لمكتب بناء السلام في الـUNDP الأستاذة ريما زعزع في كلمةٍ شدّدت فيها على الشراكة الاستراتيجية بين المكتب والهيئة في سبيل بناء المواطنة والسلام المستدام في بلدان الشرق الأوسط.
ثم انطلق النقاش مع المنتدين، حيث عبّر بداية الدكتور أنطوان الحكيّم في مداخلته عن إعجابه بالمحتوى العميق والشامل والدقيق للكتاب. لكن الدكتور الحكيّم لم يتوقّف هنا بل ذهب إلى مناقشة الكتاب والتعبير عن رأيه في المقاربة المطروحة. ومن النقاط التي شدّد عليها إنما تتعلّق بصورة الأستاذ والمتعلّم. برأيه قد يكون هناك شيء من المثالية في تصوير الطالب قادرًا على أن يكون «مؤرخًا صغيرًا» متسائلًا: أين الطالب من كلّ ذلك، وهنا توجّه إلى الحضور قائلًا علينا أن نكون واقعيين في التعاطي مع المتعلمين وأن نسعى للعمل على بناء «فكر متوازن» لديهم لا أن نسعى لأن نبني عندهم «فكرًا ممتلأ». كما عبّر الدكتور الحكيّم عن خشيته من أن يتمّ رفع السقف عاليًا جدًا فيما خصّ المتعلّم، وعندما نأتي إلى الواقع نُصاب باليأس. فالواقع، بحسب الدكتور الحكيّم، إنما يرتبط أكثر بتجاوب المتعلّم واستعداد المعلّم.
ولم يتردّد الدكتور الحكيّم في الذهاب أعمق في التفكّر في مسألة التربية ككلّ وتعليم التاريخ بشكل أدقّ ليربطها بالواقع المجتمعي والسياسي في لبنان. وهنا تساءل: «هل إن عملية تأهيل الأستاذ تكفي لتحريره من انتمائه الديني والحزبي؟»، ليكون جوابه: «أنا أشك في ذلك». برأيه، إنّ المعضلة التي نواجهها في لبنان ليس فقط تربويَّة بل هي في عمقها اجتماعيّة وطنيّة. وقد ذكّرنا الدكتور الحكيَّم بنظريته حول أسّ المشكلة منذ تأسيس لبنان الكبير في العام 1920 والتي تتمحور حول وجود قوّتَين في لبنان: قوّة جاذبة متمسّكة بالكيان اللبناني ومدافعة عن هويّته اللبنانية، وقوّة طاردة تدفع بالكيان نحو الخارج فتؤدّي إلى تعريضه لكلّ أزمات المنطقة وتذبذب تياراتها الدينية السياسية والقومية.
في مداخلتها، وبعد أن أكّدت أن المشكلة تبدأ بالسياسة وتنتهي فيها، اعتبرت الدكتورة هيفاء الإمام أن الأهم في مسألة تعليم التاريخ هو بلورة قاعدة إدراك متبادلة للآخر، وتدريس مجموعة من القيم المجتمعية والوطنية.
الأستاذ أمل وهيبة المتخصّص في المناهج اعتبر في كلمته أن مشكلة مادة التاريخ تتلخّص في أنه تمّ إيرادها في اتّفاق الطائف. فكان من نتيجة ذلك أن رُبطت مادة التاريخ بالسياسة وباتت أسيرتها. فالطائف من خلال مطالبته بإقرار كتاب تاريخ موحّد، أعطى مادة التاريخ وظيفة سياسيَّة. وعليه، فإن كلّ محاولات إقرار هذا الكتاب إنّما اصطدمت بأنَّ كتاب التاريخ هذا كان يتمّ تقييمه من قبل السياسيّين على «أسس سياسيَّة» وليس على «أسس علميّة أو تعلّمية (ديداكتيكيّة)». مؤكّدًا أنَّ كتاب التاريخ ليس هو المسؤول عن تحقيق الوحدة الوطنيّة، اعتبر الأستاذ أمل وهيبة أنَّ المُمسكين بالسلطة السياسيَّة في لبنان إنّما يهمّهم من كتاب التاريخ في لبنان الحفاظ على سلطتهم من خلال السيطرة على المعرفة التاريخيَّة.
وقد تلا الكلمات الثلاث نقاشٌ مع الحضور تمحور بعمقه حول دور التربويين في التأثير على أهل السياسية وأنّ من واجبهم ألّا يلقوا السلاح بل أنْ يحاولوا دومًا أنْ يأتوا بأهل السياسة لعندهم. كما طُرحت فكرة تطوير الفكر في هذه المنطقة وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحصل إن لم يسع أهل هذه المنطقة للتحرّر من الإيديولوجيّات الدينيّة وتحرير الدين من الإيديولوجيا. فطالما لم يتحرّر إنسان هذه المنطقة من «كوابيس» الإيديولوجيَّات الدينية فلا سبيل لأي تطوير فكري وتربوي. كما جرى نقاش حول التاريخ وماهيته وأهمية تعليمه، وهل إذا كان التاريخ علمًا أم لا. وكان من هذا النقاش أن قال بعضهم إن كلّ شيء هو تاريخي ولهذا لا يمكننا إلّا أن نعلّم التاريخ كعلم يفرضه علينا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، كما وأن أهميّة التاريخ وقيمته الأولى أنّه يعكس لنا حقيقة الماضي، حتى ولو تكن هذه الحقيقة غير مطلقة. فالتاريخ يجعلنا نطّلع من خلال الأدلة التاريخية على حقيقة الماضي من منظار محدّد وفي مكان وزمان محدّدين.
وانتهى هذا اللقاء الفكري بكوكتيل صغير استكمل خلاله الحضور النقاش في المسائل التي تمّ طرحها خلال الندوة، كما تمّ توزيع الكتاب على كلّ الحضور.
وكانت الهيئة اللبنانية للتاريخ قد أصدرت حديثًا كتابَ «نحو مسار لتطوير تعليم التاريخ في لبنان، خلاصات وتوصيات مؤتمر دردشة في تحولات ومقاربات تعليم التاريخ في لبنان»، تنسيق الدكتور أمين الياس.
وهو يتضمن تمهيدًا بقلم رئيس الهيئة، وخمسة أوراق:
1- نحو مسار لتطوير تعليم التاريخ في لبنان بقلم الدكتور أمين الياس،
2- إطلاق العنان لإصلاح مناهج التاريخ في لبنان بقلم الدكتور باسل عكر،
3- أزمة منهج التاريخ في لبنان وسُبل الخروج منها بقلم الدكتور سيمون عبدالمسيح،
4- البرنامج المعتمد لإعداد معلّمي مواد الاجتماعيات (مادة التاريخ) في كلّية التربية الجامعة اللبنانية بقلم الدكتورة آسيا المهتار،
5- حديث في تدريس التاريخ في الجمهورية اللبنانية بين الواقع والمرتجى بقلم الدكتورة ندى حسن.
وستسعى الهيئة انطلاقًا من هذا الكتاب-المؤتمر لفتح مسار نقاش وتواصل مع كلّ المعنيين في تعليم مادة التاريخ في لبنان بهدف تطوير تعليم هذه المادة بكلّ ما يتطلّبه هذا التطوير من بناء قدرات المعلّمين والتعاون مع الجهات المعنية بهدف الضغط لصناعة منهج جديد يتوافق مع رؤيتنا لبناء الإنسان الحرّ والمبدع في لبنان.
الأربعاء 20 تموز 2022