­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

فؤاد شهاب والنظام العبثي

أرمان عسّاف

إن أكثر من يذكر اليوم من قبل متتبّعي السياسة في لبنان هو شخص الرئيس فؤاد شهاب وذلك لأن عهد هذا الأخير كان من أنجح العهود من جميع النواحي، أولًا أمنيًا ثم اقتصاديًا ثم إصلاحيًا حيث أرسى دعائم الدولة العصرية وانتقل بلبنان بسرعة قياسية إلى مصافي الدول الراقية وأكثر من ذلك انتهى عهده من دون أي صدامٍ مع أية قوى خارجية كانت أم داخلية، رغم انفراط عقد الوحدة العربية بين مصر وسوريا في عهده ورغم الانقلاب الثاني القومي على النظام والكيان اللبناني.

لكن ما يجهله أو يتجاهله الكثيرون ان فؤاد شهاب نفسه رأى علّةً أساسية في النظام اللبناني كما رأى علّةً أساسية في تكوين المجتمع لأنه عانى الأمَرَّين من أزمة ما قبل اتّفاقية القاهرة التي كانت المقدّمة للحرب اللبنانية. أما الذين كانوا من المقرّبين من فؤاد شهاب فيروون كيف كانت حالته التشاؤمية قبل وفاته في 25 نيسان 1973 أي قبل عشرة أيام من اندلاع المواجهات بين الجيش اللبناني والفلسطينيين في أيار 1973 وتوقيع اتّفاقية ملكارت المكمّلة لاتّفاق القاهرة السيئ الذكر والذي أدى إلى حرب 1975.

إن فؤاد شهاب استهاب العودة إلى الحكم عام 1970 ولخّص ذلك في بيان العزوف عن الترشّح الذي صاغه الوزير فؤاد بطرس، ذكرت ذلك ليس بهدف مدح شهاب إنما للقول إن أكثر شخص نجح في الحكم من خلال نظام 1943 هو نفسه رأى العلل في النظام وأن هذه العلل لم يعالجها دستور الطائف وهي لا زالت حتى يومنا هذا تقتل الدولة والكيان والشعب.

كلّ هذا لنقول لإن علّة لبنان ما قبل 1990 كانت في نظامه وتكوينه، إذ أن النظام المتّبع لا يتماشى مع تكوين مجتمعه، وأن فؤاد شهاب لمس ذلك، فيبقى السؤال هل عالج دستور الطائف ما كان من عللٍ في النظام القديم أم أبقى عليها؟ وأكثر من ذلك هل طبّق من دستور الطائف ما يعالج المشاكل التي أدّت إلى تعطيل النظام القديم والدخول إلى الحرب الأهلية بين 1975 و1990؟

الجواب بالطبع هو النفي لأن مسبّبات الحرب التي كانت موجودة في نظام 1943 لا تزال هي هي في دستور الطائف عام 1990 ولم يطبّق ما هو مفترض تخفيف الاحتكاك بين الجماعات اللبنانية ألا وهي اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والتخفيف من مركزية الدولة التعطيلية على جميع الصعد.

فعندما ظلّ الرئيس رشيد كرامة سبعة أشهر دون تأليف حكومة، ولم يؤلّفها قبل توقيع اتّفاق القاهرة عام 1969. فبعد عام 2005 لا حكومة تتألّف قبل عامٍ من استقالة الحكومة التي سبقتها وها نحن قد مضى أكثر من عشرة أشهر من استقالة حكومة دياب ولا نزال من دون حكومة فأين الخلل.

فالبعض يرى أن الخلل بالرئيس ميشال عون وآخر في الوزير جبران باسيل وآخر في الرئيس الحريري وما إلى هنالك. فهل هؤلاء كانوا موجدين أيام الاعتداء الثلاثي على مصر، أو أيام ثورة 58، هل كانوا موجودين أيام اتّفاق القاهرة أو عام 1973 أيام أمين الحافظ أو أيام الحكومة العسكرية سنة 1975 وإلى ما هنالك. في لبناننا نظام مولِّد للأزمات وليس معالج لها وكلّ تعاطٍ خارج البحث عن صيغة جديدة هي مضيعةٍ للوقت. فإذا أراد اللبنانيون الخروج من هذه الأزمة بأسرع وقت دون الدخول في مؤتمرٍ تأسيسي يضع الكيان ووجوده وحدوده على المحك وجب عليهم تطبيق ما لم يطبّق من اتّفاق الطائف عبر إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة وكذلك مجلس الشيوخ واللجنة المخصّصة لدرس إلغاء الطائفية السياسية والمدنية. إن اللامركزية الإدارية الموسّعة هي إحدى الأبواب لإلغاء الطائفية السياسية والمدنية، فعندما ترشّد وترشّق الدولة المركزية بحيث يصبح حجمها خفيف جدًّا، عندها يمكن أن نتحدّث عن دولة مدنية.

المشكلة اليوم أن الفريق المهيمن على الدولة بحكم الأمر الواقع يريد تثبيت هيمنته بالنصوص بينما الفريقان الأخران يحاول كلّ منهما إبعاد هذا الاستحقاق علّ الظروف الداخلية والإقليمية تتغيّر فينقلب ميزان القوى لصالحه لأن كلّ فريق يعلم أن قوّته المفروضة اليوم أو بالأمس على الشركاء في الوطن تنبع من تحالفات إقليمية وليست من قوّته الذاتية.

لذلك يقول البعض إن البطريرك بمناداته بمؤتمر دولي يحاول أن يحيّد الفرقاء الداخليين عن الاستعانة بالمحاور الخارجية لغرض إخضاع الأطراف الداخلية الأخرى.

كلّ ذلك لنقول إن أبسط الحلول هي أكثرها تعقيدًا ولذلك لا يزال لبناننا أمام جلجلة لا نعرف متى قيامتها.

فإذا فؤاد شهاب الأكثر نجاحًا بين الرؤساء كان متشائمًا فما بالنا نحن.

أرمان عسّاف

بيروت في 24-07-2021