كتاب ليليان قربان الجديد: غربةٌ في وطن أم وطن في غربة؟
لم أعرف كاتبةً تعشق قريتها الجبلية مثلما تعشقها ليليان قربان عقل. وهي في كتابها "مغتربة بين وطنين"، الصادر حديثًا عن دار "سائر المشرق"، وإن كانت تروي معاناتها في الانتماء إلى البلدَين اللذَين تحمل جنسيتهما، لبنان وغانا، وقد تغرّبت في البلد الإفريقي عشرين عامًا بحكم عمل زوجها، وتعايشت مع شعبه وعاداته وتقاليده، وأحبّته، إلّا أن مشكلة الغربة في الوطن وكلّ مآسيه تدفعها دائمًا إلى عشق الوطن في الغربة لأنه هناك يتجلّى بجماله ذكريات طفولة لا تفارقها. فهي تقول: "إن غبت عنه، أحمله معي زادا في عقلي وقلبي، في لغتي وقلمي، نبضًا يحييني كلّما ضاقت بي أنفاسي، أتنفّسه جرعة حياة تحييني في زحمة الأيام وتهافتها لتغيّرني ولم أتغيّر". تتحدّث ليليان عن قريتها الجميلة الشوير بنبضٍ عاشق لتربتها وصنوبراتها، والشمس التي تشرق عليها من صنّين، والثلج الذي يجيش الاشجان. تتحسّر على تشتّت المغترب اللبناني الذي لا يقدر على تحديد إطار انتمائه، عن خيبته، إذ يصعب عليه أن يصدق ماذا حصل ويحصل وسيحصل لوطنه.
تقول: "يغادره لكنّه لا يقدر أن يرحل عنه أبدا، فلبنان وجع يحمله معه اللبناني أينما ذهب"... وهو وجع تحمله ليليان اينما ذهبت، وكم تشتاقه في عناق الاهل والاصدقاء، في الوداعات واللقاءات، وتتنشقه في تنهيدة صنوبرة غاضبة في قريتها، مما جرى ويجري في وطنها. وليس امامها سوى قلمها تعود إليه علّها تكتشف كيف صنعتها الغربة. ترسم في كتابها معاناة مغتربة تعيش ازدواجية الانتماء والهويّة، تلملم أفكارها ليبقى في سجلاتها "عربون وفاء لكل جرحٍ نزف ليبلسم جروحي، ويصنعني امرأة بامراتين".
هنيئًا لك ليليان إنتاجك الجديد، وما دام قلمك ينبض بالحبّ والوفاء لن يضيع انتماؤك أبدًا، أكان في غربة الوطن، أو في وطن الغربة.
مي ضاهر يعقوب
الخميس 15 تموز 2021