مراجعةٌ لكتاب «أميركا القيم والمصلحة»
خلود التوم
يتناول كتاب عبدالله بو حبيب سفير لبنان سابقًا في واشنطن «أميركا القيم والمصلحة» الستاتو كو الذي حافظت عليه الولايات المتّحدة الأميركية لعقودٍ من الزمن فيما خصّ قضايا الشرق الأوسط. فبالنسبة إلى الولايات المتّحدة الأميركية أهمّ ما سعت إلى تحقيقه هو مكافحة الشيوعية، النفط، المحافظة على الحلفاء، أمن إسرائيل ودعم اقتصادها، نشر الديمقراطية حتى ظهور الإرهاب كلاعبٍ أساسي على الساحة الدولية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 مما حدا بها لتغيير سياستها وصولًا إلى التدخّل المباشر في الدول العربية للقضاء على الإرهابيين وتطبيق سياسة الأمن الوقائي.
حاول بو حبيب التمييز بين حقبات الرؤساء الأميركيين منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى بداية عهد الرئيس دونالد ترامب مؤرّخًا أهمّ الأحداث السياسية والعسكرية التي حصلت فترة ولاياتهم ومدى تأثير قيام دولة إسرائيل على علاقاتهم مع المنطقة العربية. بالنسبة إلى فلسطين رعت الولايات المتّحدة الأميركية كلّ اتّفاقيات السلام بينها وبين إسرائيل بما فيها قرار إنشاء الدولتَين كما سعت إلى إبرام اتّفاقية سلام بينهما تشبه اتّفاقية كامب دايفيد بين إسرائيل ومصر التي تعتبر أهمّ إنجاز في عهد الرئيس جيمي كارتر. ميّز بو حبيب بين المفاوضات أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي وصفه بحليف أميركا وبين حركة حماس التي نسفت كلّ محاولات الصلح بعد فوزها في الانتخابات التشريعية. فيما خصّ إيران كانت العلاقة بينها وبين الولايات المتّحدة الأميركية جيّدة جدًا ما قبل سقوط الشاه وقيام الثورة الإسلامية عام 79 كما دخلت أميركا معها في تفاوضات حول برنامجها النووي من دون التوصّل إلى نتيجة.
كانت العلاقة بين الولايات المتّحدة الأميركية والعراق متأرجحة فبعد الدعم الأميركي للعراق أثناء حربه مع إيران عادت ودعمت الكويت في أثناء عملية عاصفة الصحراء وصولًا إلى تدخّلها عسكريًا في العراق وإطاحتها بالرئيس صدّام حسين ضاربةً عرض الحائط قرارات الأمم المتّحدة تحت حجّة نشر الديمقراطية والقضاء على المنشآت النووية.
بالنسبة إلى سوريا دعمت الولايات المتّحدة الأميركية الرئيس حافظ الأسد بعد سلسلة انقلابات كانت تحصل على أراضيها، سلّمت الأسد الملفّ اللبناني بسبب دعمه لها في حرب العراق-الكويت لكن العلاقة تزعزعت مع الرئيس بشّار الأسد بعد معارضته لتدخّلها العسكري في العراق فسحبت الملفّ اللبناني منه ودعمت الثورة من دون أن تقوم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بأي ضربة عسكرية عليها.
العلاقة مع السعودية أكثر من جيدة خاصة مع الأمير بندر بن سلطان ولم تؤثّر هويّة زعيم تنظيم القاعدة أوساما بن لادن على العلاقة السعودية الأميركية.
العلاقة بين مصر والولايات المتّحدة الأميركية في أوجها بعد اتّفاقية كامب دايفيد، دعمت أميركا الرئيس حسني مبارك من ثم رحّبت بإسقاط النظام معتبرةً أن الثورة هي ديمقراطية.
لم يكن لبنان يومًا لاعبًا أساسيًا بالنسبة إلى الولايات المتّحدة الأميركية لذلك سلّمت سوريا الملفّ اللبناني لسنين ولكن بعد رفض سوريا للتدخّل العسكري الأميركي في العراق ردّت أميركا بإصدار قانون محاسبة سوريا من قبل الكونغرس وسعت عبر الأمم المتّحدة لإصدار القرار 1559 الذي ينصّ على الانسحاب السوري من لبنان فأخلت القوّات السورية لبنان في 26 نيسان 2005. خلاف الولايات المتّحدة الأميركية الأساسي كان مع تنظيم حزب الله الذي اتّهمته مع حليفته إيران بتفجير سفارتَيها في عين المريسة والرملة البيضا وتفجير مقر المارينز.
أنصح بقراءة هذا الكتاب إذ جمع فيه السفير بو حبيب عشرات الكتب ولخّص كمًّا هائلًا من المعلومات في 300 صفحة مع الحفاظ على الموضوعية في سرد الأحداث السياسية التي عاصرها كسفير سابق للبنان في واشنطن.
تميّز أسلوب بو حبيب في هذا الكتاب بالتجرّد والابتعاد عن الذاتية والأنا وحبّ الظهور كما يفعل الكتّاب عادةً عندما يروون أحداثًا عاشوها فوصف الوقائع بموضوعية تامة. كما تميّز بوضوح الأفكار وربط الأحداث بطريقة سلسة ومبسّطة بحيث لا يقع القارئ في أي التباس.
عنصر التشويق يطغى على مجمل الكتاب بحيث تغدو متابعة الأحداث متعة من بداية الكتاب حتى صفحته الأخيرة.
ذكر بو حبيب بعض النقاط والأخبار التي تداولها اللبنانيون لعقودٍ كسؤاله على سبيل المثال للوزير كيسينجر عن نيّته ترحيل المسيحيين فيما مضى فأجاب كيسنجر بالنفي، أو سؤاله للوزير مورفي عن جملته الشهيرة التي قالها في 88: إما مخايل الضاهر أو الفوضى فشرح له مورفي أن المقصود بالفوضى هو البقاء في الفراغ الدستوري.
بشكلٍ عام يشكّل الكتاب مرجعًا موثوقًا وعلميًا لحقبة امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى بدء حقبة عهد الرئيس ترامب بتفاصيلها كافة وأحداثها الكبرى إلّا أنه يمكن ملاحظة بعض الثغرات أو السقطات في بعض المراحل كإظهار الولايات المتّحدة الأميركية بأنها ناشرة الديمقراطية مغيّبًا بعض الممارسات القمعية والمصلحية التي مارستها من أجل تحقيق مآربها وضمان مصالحها في العالم. لبنانيًا لوحظ عدم تطرّق السفير بو حبيب لذكر دور العماد ميشال عون في إصدار قانون محاسبة سوريا 2003 إضافةً إلى عدم تسليط الضوء على أداء المخابرات السورية في لبنان وارتكاباتها بحقّ اللبنانيين.
الكتاب مخزونٌ فكري وثقافي وتاريخي يشبع فضول وحشرية القارئ ويعيد إنعاش ذاكرته ويساعده على قراءة وفهم متغيّرات اليوم إستنادًا إلى الأحداث التي أوردها السفير في الكتاب.
خلود التوم
الجمعة 23 تشرين الأول 2020