بغداد مدينة للإبداع الأدبي العالمي
حسن جوان
توّجت شبكة المدن الإبداعية التابعة لمنظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو"، بغداد مدينة للإبداع الأدبي، من ضمن شبكة المدن الإبداعية للمنظّمة. ونجحت بغداد في الانضمام إلى شبكة اليونيسكو في مجال الأدب، إلى جانب أوليانوفسك الروسية، وبرشلونة الإسبانية، وليوبليانا، العاصمة السلوفينية، ولفوف الأوكرانية. كما انضمّت مدينة الإحساء في المملكة العربية السعودية إلى المدن المُبدعة في مجال الحِرف والفنون الشعبية، إلى جانب باميان الأفغانية، وأصفهان الإيرانية وغيرهما.
وأعلنت المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا أنّ 47 مدينة في 33 دولة عزّزت شبكة المدن الإبداعية لليونيسكو، وأشارت إلى أنّ نتائج هذا العام تعكس تعزيز التنوّع والتمثيل الجغرافي، حيث انضمّت 22 مدينة من بلدان غير ممثّلة سابقاً في الشبكة.
وتتضمّن شبكة المدن الإبداعية المجالات التالية: الأدب، فنون الإعلام، الموسيقى، الحِرف والفنون الشعبية، التصميم، الأفلام، فنّ الطعام. وكانت وزارة الثقافة العراقية قد كشفت عن اختيار بغداد مدينة للإبداع الأدبي، من ضمن شبكة المدن الإبداعية لليونيسكو، إثر ترشيحها من بين 47 مدينة من 33 دولة كأعضاء جدد مثّلت مختلف الحقول الابداعية.
الأوساط الثقافية والشعبية العراقية استقبلت بفخر وفرح إدراج منظّمة اليونيسكو مدينة بغداد، من ضمن شبكة المدن الإبداعية في حقل الأدب، وهي المدينة العربية الأولى التي يتمّ اختيارها لهذا المنصب في مجال الأدب، والوحيدة من قارّة آسيا وكذلك إفريقيا، وخصوصاً أنّ عضوية المدن للشبكة، كانت حكراً على الدول الأجنبية فقط، وذلك بحسب المدير العام لدائرة العلاقات الثقافية العامّة في وزارة الثقافة العراقية، وعضو اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم فلاح العاني، الذي أوضح أنّ وزارة الثقافة عملت بالتنسيق مع مؤسّسات كثيرة ومنذ أشهر لإعداد ملفّ خاصّ بترشيح العاصمة بغداد، كأوّل مدينة عربية للانضمام إلى شبكة المدن الإبداعية التابعة لليونيسكو. ونشرت مواقع مختلفة تصريحاً للدكتور صادق رحمة، أستاذ الأدب والنقد في الجامعة المستنصرية، ورئيس لجنة إعداد ملفّ بغداد، بوصفها مدينة للإبداع الأدبي، حول المعايير التي تمّ على أساسها تقديم ملفّ بغداد كمدينة للإبداع الأدبي.
لماذا اختيرت بغداد؟
انطلقت شبكة المدن الإبداعية في العام 2004 بالاستناد إلى قرارات الجمعية العمومية التابعة للأمم المتّحدة، للتأكيد على أنّ الثقافة والإبداع عنصران دائمان ومحرّكان للتنمية الحضرية. وعلى هذا الأساس شرعت اليونيسكو بتأسيس مشروع المدن الإبداعية، واختارت ستّة مجالات للإبداع وهي (الأدب، الموسيقى، السينما، الحرف والفنون الشعبية، وسائل الاتصال الحديثة – الميديا-، التصميم، وما يُسمّى بعلم فنّ الطبخ وطرائق التقديم). وقد طلبت تقديم جردة باتفاقياتنا وفعالياتنا وأنشطتنا الثقافية والأدبية المختلفة للسنوات الخمس الماضية، وطلبت ترشيح ثلاثة مشروعات محلّية على المستوى الوطني، وثلاثة مشروعات على المستوى العالمي، علماً أنّ هذه المشروعات موجودة أصلاً في الوزارة، حيث قمنا بإعادة صياغتها بشكل يتناسب مع متطلّبات المدن الإبداعية لليونيسكو.
ولعلّ أبرز متطلّبات الشبكة وشروطها، توافر كمّ ونوع على مستوى النشر والصناعة الأدبية، فضلاً عن وجود مكتبات مُعتبرة تحوي مخطوطات ومراجع مهمّة، لا يستطيع الباحث في المجال الأدبي أن يستغني عنها.
مراقبة اليونيسكو
كما تضمّنت الشروط ضرورة وجود وسائل إعلام نشطة داعمة للأدب. ومن المؤكّد أنّ اختيار بغداد مدينة للأدب، جاء لرمزيّتها العربية أولاً، ولأنّ الأدب يشكّل عنصراً أساسياً على مدى تاريخها، حتّى في أضعف لحظاتها؛ إذ كان أدباؤها ومثقّفوها يشكّلون العنصر الحاسم في المشهد المجتمعي، فالأدب وبغداد صنوان يكادان لا يفترقان على الإطلاق. وانطلاقاً من أنّ الإبداع الثقافي يشكّل عنصراً استراتيجياً للتنمية المُستدامة، وعاملاً مهمّاً في النسيج الاجتماعي، فإنّه يشكّل أيضاً أداة ضدّ العنف، ويُجسّد مبادئ الاحترام والتفاهم والسلام.
لقد جاءت عملية اختيار بغداد مدينة للإبداع الأدبي، بحسب اللجنة المنسّقة معقّدة جدّاً، والقرار النهائي لليونيسكو اعتمد على محكّمين دوليّين وأكاديميّين خبراء في المجال الثقافي والأدبي، فضلاً عن رأي المدن الإبداعية المنضوية أصلاً تحت مظّلتها. وهكذا تمّ تقديم ملف بغداد للعام 2015، وأعلنت النتائج في نهاية العام (أي في الحادي عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل2015)، حيث جاءت بغداد في المرتبة الأولى بين المدن الأخرى، وتمّ اختيارها كمدينة للإبداع الأدبي على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى قارّتَيْ آسيا وأفريقيا.
إنّ مراقبة اليونيسكو لشروط اللقب وديمومتها، سوف تستمرّ بالمتابعة والتأثير على مستوى الأنشطة داخل العراق لأربع سنوات مقبلة. وتعدّ تلك المراقبة والتقييم شرطاً للاحتفاظ باللقب الممنوح من قبل اليونيسكو، وتمهيداً مرحليّاً متابعاً للتهيئة إلى عملية توأمة بغداد بنظيراتها من مدن الشبكة العالمية، وبإشراف دقيق من قبل المنظّمة.
نادٍ أدبيّ للنساء
ولعلّ من بين أهمّ ﺍلأهدﺍﻑ ﺍﻟﺘﻲ ستحقّقها بغداد بانضمامها إلى هذه ﺍﻟﺸﺒﻜﺔ، هو ﻧﺸﺮ ﺍلأﺩﺏ ﻭالأنشطة ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ العراقية في ﺟﻤﻴﻊ أنحاء ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺗﺴﻬﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍلأﺩﺏ ﻭﺗﺸﺠيعه، وتوسيع ﻓﺮﺹ المبدعين ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﻴّﻴﻦ ﻓﻲ القطاع ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭﺍلأﺩﺑﻲ، والدﻣﺞ ﺍﻟﺘﺎﻡّ ما ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭالإﺑدﺍﻉ ﻓﻲ خطط ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠّﻴﺔ والحكومية. ﻭﺍلأﻫﻢّ ﻣﻦ ذلك أيضاً ﺗﻌﺰﻳﺰ المواهب الجديدة ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺗوﺟﻴهها، ﻭﻧﺸﺮ النتاج ﺍلأﺩﺑﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻴﻞ الجديد.
وسيُسهم هذا الاختيار في توطيد ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ العراقية ﻣﻊ ﺩﻭﻝ العالم، إﺫ إنّه من ضمن المطلوب، تنظيم أنشطة ﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻲ بغداد ﻭﺣﻀﻮﺭ الفعاليّات الدولية، ﻭبذلك ﻳﺘﺤﻘّﻖ ﺍﻟﺘﻼﻗﺢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻭالتطوير الإبداعي ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً. لذلك تمّ الإعداد لمجموعة فعاليّات تعكس ﻣﺎ ﻫﻮ مطلوب ﻣﻦ المدن ﺍﻟﻤﻨﻀمَّة حديثاً. ﻭﺍﻧﻀﻤﺎﻡ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺸﺒﻜﺔ ليس ﻣؤﻗّﺘﺎً أﻭ تحدّه مدّة ﺯﻣﻨﻴﺔ، ﺑﻞ سيستمرّ طالما أنّ ﻫﻨﺎﻙ حراكاً ثقافيّاً فاعلاً، يعكس ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍلأﺩﺑﻲ ﻓﻲ بغداد. لذلك ﺳﻮﻑ تُستثمر ﺍﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎﺕ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻴﺔ، وكذلك الإسهام ﻣﻊ منظّمات ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ المدني ﻓﻲ ﺫﻟﻚ المجال. كما ستقام نشاطات جديدة من نوعها مثل ﺍﻟﻤﻜﺘﺒﺔ ﺍﻟﺠﻮّﺍﻟﺔ، إﺫ ﺳﺘﺴﻬﻢ ﻣﻜﺘﺒﺔ دوائر وزارة الثقافة ﺑﺎﻟﺘﺠﻮﺍﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻟﻠﺘﺸﺠﻴﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺍءﺓ، مع العمل على إنشاء ﻧﺎﺩٍ أﺩﺑﻲ للنساء، ﻭكذلك إصدار طوابع بريديّة ﺗﺤﻤﻞ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ.
في سياق متّصل، ولمناسبة انطلاق مهرجان "شكسبير ما يزال حيّاً"، الذي ينظّمه المجلس الثقافي البريطاني في العراق، ويستمرّ طوال العام الحالي، ويشتمل على مختلف الفعاليّات الأدبية والمسرحية والتعليمية، هنّأ السفير البريطاني في بغداد فرانك بيكر باسم بلاده الشعب العراقي وأبناء مدينة بغداد على هذا الاستحقاق الثقافي العالمي المهمّ. وعبّر عن أهمّية هذا الحدث الحضاري بين مدن العالم وجدارة بغداد بهذا الانضمام إلى مدن الإبداع العالمي، رابطاً ما بين هذا الحدث والفعاليّات الإبداعية التي تقوم بها المملكة المتّحدة في العراق، واعداً بدراسة مقترح سيناقشه مع حكومة بلاده، يتعلّق بمشروع ربط مدينة بغداد بإحدى المدن الثقافية في المملكة المتّحدة.
وكانت بغداد قد اختيرت كعاصمة للثقافة العربية في العام 2013، وشهد ذلك المشروع حراكاً إبداعياً شاملاً، امتدّ إلى مختلف حقول الثقافة والمعرفة والفنون، وشكّل حدثاً نوعياً دافعاً في اتّجاه تكريس تصاعد وتائر النشاطات المتنوّعة المذكورة، الأمر الذي أوصل بغداد إلى الانخراط في شبكة المدن الإبداعية العالمية في المجال الأدبي.
حسن جوان
الخميس 21 نيسان 2016