­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

البطريرك ومحاولة إنقاذ لبنان بظلّ الحراك اللبناني...

خالد ممدوح العزّي*

لا تزال أصداء التفاعلات تسيطر على الأجواء السياسة اللبنانية منذ أسبوعين على نداء البطريرك اللبناني وسائر المشرق مار بشارة بطرس الراعي من خارج المتوقّع التي تمحورت حول المبادرة التي تمحورت حول تحرير الشرعية من الحصار وحياد لبنان وتنفيذ القرارات الشرعية، وتمحورت عناوينها حول الحياد الإيجابي للبنان والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة.

كأنها صاعقةٌ كهربائية لم تكن الطبيعة تنتظرها تمّ تفجيرها في سماء لبنان المتلبّد بالصراعات الداخلية والمحورية، حيث اندلعت شرارة الصرخة من بطريرك الموارنة في لبنان لما يمثّله هذا المركز من احترام وتقدير لدى المسيحيين والمسلمين حيث كان لهذا الصرح طوال الفترات الماضية موقفًا وطنيًا وباعًا طويلًا مع كلّ الأحدث وتجنيب البلاد والعباد شر البلية.

البطريركية تنتصر للبنان من جديد وتسلك طريق الجلجلة التي سلكها البطريك الراحل مار نصرالله بطرس صفير وتقف بوجه الذين يحاولون العبث بلبنان وبدوره التاريخي والرائد في المنطقة ومع جيرانه العرب لأن لبنان بلد عربي الهويّة والانتماء والمسيحيين راية هذا التوجّه تاريخيًا.

فمن لحظة تأسيس لبنان الكبير كان للبطاركة الدور الأساسي في الدفاع عن سيادة لبنان من البطريرك الياس الحويّك، والبطريك أنطوان عريضة والبطريرك صفير التي كانت له بصمتان تاريخيتان عند اللبنانيين مبادرته الشجاعة والمكلفة في تغطية اتّفاق الطائف وإطلاق نداء المطارنة الشهير عام 2000.

وهذا النداء أسّس لمناهضة الوجود السوري في لبنان تحت توجّه عدم مبرر وجوده بعد الانسحاب الاسرائيلي عام 2000.

لم يكن خطاب البطريرك مار بطرس الراعي زوبعة في فنجان كما يحاول البعض تصويره أو مجرد خطاب سياسي أو موعظة دينية ألقاها نهار الأحد في الكنيسة بل كانت خطاب وطني واضح الرؤية والمعالم اطلق فيه البطريرك من ثوابت وطنية للحفاظ على الرعية المسيحية والإسلامية بظلّ الوضع الذي يعيشه لبنان من انهيارٍ اقتصادي واجتماعي ومعنوي ضرب البلد نتيجة سياسات ومصالح ضيقة وضعت لبنان في مكان لا يحسد عليه.

إن تحييد لبنان عن أزمة المنطقة والإبقاء على الحياد لم يكن كلامه كما يحاول البعض إبعاد البوصلة عن طريقها، فالراعي كان واضح المعالم في خطبته وتصوّراته، وكلماته كانت كلمات مدروسة، فكان المقصود بها الذهاب نحو التدويل والحماية الدولية وعدم جعل لبنان صندوق بريد يخاض حربًا على أراضيه بالوكالة.
فهذا لا يعني أن يكون الحياد بالنسبة إلى مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي فكلّ الإجماع اللبناني بكلّ فئاته وطوائفه وقياداته هو ضد الإسرائيلي وضد الاحتلال وتصرّفات العدو مع شعب فلسطين حتى لو اختلفت أساليب المواجهة والقتال.

لكن الراعي انتقل إلى مرحلة الحياد عن مشاكل المنطقة والالتزام بالاتّفاقات الدولية كافة وصولًا إلى اتّفاق بعبدا الذي يشكّل فيها كافة النسيج اللبناني جزًا أساسيًا في التوقيع على هذه الاتّفاقات الدولية بما فيها حزب الله.
طبعًا يعرف حزب الله بان النداء موجّه له مباشرة وبالتالي حاول الالتفاف على النداء من خلال طرح فكرة الحياة عن الصراع الصهيوني بات جريمة النداء والذي حاول تجويف النداء في محاولة الهجوم عليه وإخافة البطريرك بالسير في هذا الطريق.

فالنداء الذي يزعج إيران مباشرة حاولت إرسال سفيرها إلى الديمان (المقرّ الصيفي للبطريرك) لتوجيه رسالة علنية من الصرح البطريركي بأن إيران لا تتدخّل في شؤون لبنان الداخلية وتتعامل معه كدولةٍ لدولة وفي المضمون للزيارة حاولت أن ترسل رسالة مبطنة ترى بأن لبنان يجب أن يلعب صندوق بريد بين إيران وأميركا بظلّ الحرب (الباردة الساخنة) الدائرة حاليًا، وربما البطريرك عليه حمل الرسالة للفاتيكان.

فإيران بسياستها البرغماتية تعلم جيًدًا ماذا يعني نداء البطريرك والتوجّه إلى الفاتيكان وهي لا تريد تكرار تجربة البطريرك صفير مع التواجد السوري وإطلاق نداء البطاركة الشهير.

فالحياد الإيجابي بنظر اللبناني هو الابتعاد عن صراعات المحاور التي بات لبنان يربط نفسه فيها من دون الرجوع إلى الشعب اللبناني وانتهاج سياسة خاصة أدّت بحصار لبنان اقتصاديًا وسياسيًا وماليًا ومعنويًا.

يقول المثل الروسي "بأن تأتي متأخّرًا أفضل أن لا تأتي" وهذا ما ينطبق على إعلان البطريرك الراعي الذي انتظره لبنان وشعبه طول 10 سنوات مضت كان يتأمّل من البطريركية المارونية انتهاج النهج السابق الذي حافظ على استمرار وجود لبنان وانتمائه العربي من خلال سياسات البطاركة السابقين.

فالسؤال المطروح هل كان النداء مطلبًا خارجيًا لحماية لبنان، طبعًا هذا النداء كان مطلبًا من الفاتيكان للتحرّك والضغط على الخارج فرنسا تحديدًا والاتّحاد الأوروبي وأميركا للتحرّك السريع والمساعدة الفعلية لبلدٍ بات يحتضر من خلال سياسات انتهجها البعض، فلم يعجب الفاتيكان طلبات الهجرة المقدّمة للسفارات والتي بلغت أعدادها أكثر من 250 ألف شخص وأغلبهم من المسيحين، لم يعجب الفاتيكان الانهيار الاقتصادي في بلد كان يوصف بسويسرا الشرق، لم يعجب الفاتيكان صرخة الأهل والامتناع عن تسجيل الطلّاب في المدارس الكاثوليكية، الفاتيكان ينظر كيف تنهار المؤسّسات الاقتصادية والتعليمية والطبّية في لبنان والناس باتت تنظر إلى القمامة والعوز يسيطر على الناس وقلّة قليلة تقبض بالدولار وتعيش حياة الرفاه والتجلّي وكأن الذي يحدث بعيدا عنهم، لا يعجب الفاتيكان والكنيسة العريقة ساكتة أمام ثورة 17 تشرين، وبغض النظر عن التفسير الذي يحاول البعض إطلاقه على موقف البطريك الراعي يبقى بأن الراعي فعل فعله وسوف يذهب إلى الفاتيكان وبيده تصوّر لما يحتاجه لبنان، أطلق الراعي النداء والباقي على الفاتيكان.

وربما هذا النداء المتأخّر جاء ليواكب مطالب انتفاضة 17 تشرين التي نزل فيها اللبنانيين إلى الشارع للصراخ والتحذير من أزمة قادمة تجتاح لبنان بسبب السياسات المبرمجة التي قادتها هذه الطبقة الحاكمة طوال الفترة الماضية مما دفع بالعديد للاعتصام والتظاهر من أجل لبنان وسيادته وتطبيق الدستور والصراخ بأعلى الأصوات "كلّن يعني كلّن".

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يمكن للمجمع الكنائسي فعله بعد إطلق نداء بطريرك لبنان سوى الصراخ والمناشدة الدولية، بالعكس تمامًا فإن في الفاتيكان لا يزال في مقدوره تغيير التوجّهات وقلب الطاولة رأسًا على عقب.

فالنداء الذي كتب بعناية قانونية وليست الإلهية تشير إلى مدى الكلمات المستخدمة في الخطاب وأهمّية التعابير والمصطلحات التي يستطيع من خلال المجمع الكنائسي وضع النقاط على الحروف وتامين الحماية الدولية بالذهاب إلى مجلس الأمن ووضع لبنان تحت الحماية الدولية ومجلس الأمن لا يتطلّب سوى تفعيل البند السابع الذي يقع لبنان تجت وصايته.

ولا بدّ من التذكير بأن الفاتيكان في عام 1980 لعب دورًا رياديًا إبان انتفاضة التضامن في بولندا كان له الدور المميّز في حماية الدولة البولونية من التوحّش الروسي وسحق الانتفاضة تحت دبّابات الـتي 72 ذائعة الصيت وقتها وسحق الشعب البولوني في وارسو وكراكوف، غدانسك، كاتوفيتشي، كما حدث في ربيع براغ 68 وبوخارست 65، ولاحق 88-89 في دول البلطيق وجورجيا وأذربيجان.

طبعًا كان الدور الكبير للكاردينال يوحنّا بولس الثاني البولوني الأصل الذي منع تلك المجزرة من حصولها بوسائلها الكثيرة واستطاعت بولونيا من اجتياز المحنة التي عاشتها بظلّ انتفاضة نقابة التضامن (اتّحاد العمل والتي كانت في في (لينين) غدانسك شيبيارد) حيث استطاعت من إيصال رئيسها "ليخ فاونسا" إلى رئاسة الدولة البولونية بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي بانتخابات حرّة ونزيهة اختارها الشعب.

لقد التقط الراعي التوقيت الداخلي والخارجي لإعلان هذا النداء ربما كان يحاول توجّه العيون الجميع إلى الأزمة والخطر الحقيقي الذي بات يعصف في لبنان ومكوّناته الاجتماعية، من ناحية واستخدام العبارات التي تشير إلى الطلب الفعلي من العالم لحماية لبنان دوليًا. ولأنّ معظم مصائب لبنان منذ استقلاله ناتجة عن سيطرة نزعات عابرة للأوطان لقد آن الأوان للأمم المتّحدة التفكير جيّدًا بعض البطريرك الذي سيقدّم للفاتيكان والذي سيشكّل طلب فعلية للحماية الدولية وإبعاده عن الصراعات الإقليمية.

لكن للحقيقة بأن قرار البطريرك لن يتوقّف عند هذه المرحلة لأن الراعي بات أسير مبادرته التي ستكون في الأيام القادمة أشد وأصعب من مرحلة البطريرك صفير وخاصة بأن الشارع الشيعي بات واضحًا معارض لها مما يفرض تغيير في التوازنات الداخلية الداعمة لهذه المبادرة وتسويقها دوليًا والاتّفاق حولها بظلّ الصراع الخارجي والاحتضان الفاتيكاني. فإن الارتباك الذي شاهدنه من رئيس الوزراء اللبناني الحالي والوزير السابق جبران باسيل حيال المبادرة وعدم القدرة على رفضها مباشرة، وكذلك تأييد الشارع المسيحي والمسلم لها بظلّ الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الحصالة، ومحاولة إفراغها من قبل حزب الله وأخذها نحو اتّجاه مختلف.

يبقى الأمل على وعي اللبنانيين والاستمرار بالتظاهر السلمي لمواكبة كلّ الأمور التي تستطيع أن تبعد لبنان عن شبح الحرب والانهيار. فالانتفاضة الشعبية هي الخلاص الأكيد لبنان ولشعبه.

*صحافي وكاتب لبناني

خالد ممدوح العزّي

الأربعاء 22 تموز 2020