­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

رئاسة الجمهورية مقبرة الحزب القوي... والمسيحيين

بطرس الجميّل

لطالما ارتكزت القوّة المسيحية السياسية في لبنان على ركيزةٍ ثلاثية: البطريركية المارونية، والحزب المسيحي القوي، ورئاسة الجمهورية؛ وعلى اتّفاق وتناغم هذه المواقع الثلاثة مع بعضها البعض. وكان من شأن حدوث أي خلل في العلاقة بين أيٍ من هذه المكوّنات، أن ينعكس اضطرابًا في البنية السياسية المسيحية، ويؤدي في معظم الأحيان إلى تراجعٍ وهزائم.

هكذا مهّد الصراع بين البطريرك المعوشي والرئيس كميل شمعون إلى ضعفٍ في الجسم المسيحي أدّى بالنهاية لسيطرة الناصرية على لبنان بشكلٍ أو بآخر. إلّا أن الخسارة التاريخية للمسيحيين أتت نتيجة وصول الأحزاب المسيحية الكبيرة إلى سدّة رئاسة الجمهورية. أي عندما تمّ دمج الحزب المسيحي القوي مع موقع الرئاسة. هذا ما حصل تمامًا مع حزب الكتائب في مطلع الثمانينات. فبعد أن كانت الكتائب تمثّل أكبر وأهمّ حزب مسيحي في العالم العربي، وتعبّر عن وجدان وقوّة المسيحيين، وتمثّلهم خير تمثيل، وتشكّل لهم السند والرافعة السياسية والأمنية، وتمكّنت من الصمود بوجه اليسار العالمي، وبوجه ياسر عرفات وحافظ الأسد، انتهت عمليًا بوصول الشيخ أمين الجميّل إلى سدّة الرئاسة.

فالدمج بين موقعَي الحزب القوي والرئاسة كانت له عواقب على الإثنين معًا. فانتهت الكتائب وانتهت معها الرئاسة، كناظمة للحياة السياسية اللبنانية وكمحورها الرئيسي. وما لبثت أن أتت هزيمة المسيحيين العسكرية، نتيجة التقاتل الداخلي ودخول سوريا إلى بعبدا، والسياسية التي تجسّدت باتّفاق الطائف.

حاول المسيحيون إعادة بناء قدراتهم الذاتية، وأعطوا التيّار الوطني الحرّ من دون حساب حتى تحوّل سنة ٢٠١٥ إلى أكبر حزبٍ مسيحي في العالم العربي. وعقد تحالفات وطنية وإقليمية واستعاد مواقع مهمّة، وأصبح صوت المسيحيين الصارخ والرافعة السياسية لهؤلاء. إلّا أنه، وكما حصل مع حزب الكتائب تمامًا، وفور وصول زعيم التيّار الوطني الحرّ إلى سدّة الرئاسة، والدمج بين هذين الموقعَين، شاهدنا انهيار الرئاسة وانهيار التيّار، مع ما يشكّل ذلك من أخطارٍ داهمة بحق الوطن القائم على التوازنات الدقيقة التي يؤدي اختلالها إلى اعتلال الحياة السياسية اللبنانية برمتها، وبحق المسيحيين باعتبار أن ضعف حضورهم في موقع القرار سيؤدي مع مرور الوقت إلى تراجع فاعليتهم وإنتاجيتهم دورهم.

ولا بد من التساؤل بجدية: كم يحتاج المجتمع المسيحي من وقتٍ ومجهود لإعادة بناء حزبٍ شبيه بالكتائب أو بالتيّار الوطني الحرّ؟ وما هي نتائج انهيار الوضع المسيحي الراهن؟

نقول هذا الكلام من باب التنبيه والتحذير من أجل المستقبل، لاسيّما للشيخ سامي الجميل وللدكتور سمير جعجع أو لأي حزبٍ مسيحي صاعد. احذروا من شغل منصب رئاسة الجمهورية، فدور وقدر المقدّم أو الزعيم الماروني هو دعم الرئاسة وإحاطتها، وإن أي دمجٍ بين هذين الموقعين أي موقع الحزب المسيحي الأول وموقع رئاسة الجمهورية يؤدّي إلى القضاء على الإثنين معًا.

وقد وعى الرئيس فؤاد شهاب والوزير فؤاد بطرس خطورة هذه المسألة عندما عارضا ترشيح الشيخ بيار الجميّل لرئاسة الجمهورية في العام 1964. ويروي الوزير بطرس في مذكّراته (إعداد أنطوان سعد دار سائر المشرق) في الصفحة 97 منها أنه قال لمن فاتحه من الكتائبيين بالموضوع: "لبنان يبطل أن يكون لبنان إذا وصل كتائبي إليها، أو شخص من النجادة إلى رئاسة الحكومة". ونقل في الصفحة 98 عن الرئيس شهاب قوله إن على الشيخ بيار أن يبقى "كقوّة مسيحية تحافظ على التوازن وتمكّن الرئيس العتيد (شارل حلو) من أن يحكم من غير أن يكون خاضعًا لضغوط الشارع الإسلامي ذي الامتدادات الناصرية."

مهما يكن من أمر، فإن المطلوب من أجل مشاركة مسيحية بطريركية مارونية صلبة، وهي كذلك، ورئيس للجمهورية على قياس ومثال الياس سركيس الذي عرف كيف يصرف قوة بشير الجميّل في مواجهة الضغوط السورية والفلسطينية (راجع مذكرات الأباتي بولس نعمان "الإنسان والوطن الحرّية" ومذكّرات الأب يوسف مونّس "أناشيد حياة من إصدارات دار سائر المشرق) وحزب مسيحي قوي وداعم، بحيث يتكامل الثلاثة فيما بينهم من دون اندماج أو إلغاء.

اتعظوا من أخطاء الماضي، رحمة بما تبقى.

بطرس الجميّل

الجمعة 14 شباط 2020