كيف السبيل لاستعادة الأموال المنهوبة؟
سمر فضّول
سأل أحد القضاة المسؤولين عن الملفّات المالية وزيرًا سابقًا عن موعد زيارته في مكتبه للاستماع إليه في ملفّ فساد يتناوله دومًا في إطلالاته الإعلامية، فردّ الوزير قائلًا: «وإذا سمّيت خلال الاستماع الى إفادتي مرجعيتك السياسية من ضمن المتورّطين في الملفّ، هل تبادر إلى استدعائه ؟...»، فعَضّ القاضي على جرحه... وأكمل طريقه...
أشهرت حكومة الرئيس حسّان دياب سيف «تطهير الدولة من الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة»، بضغطٍ دولي يطالب بالإصلاح مفتاحًا لخزنة الأموال الموعودة وتحت رقابة الشارع المنتفِض على سياسة التجويع التي مورست لسنوات.
ولكن ثمّة الكثير من الضبابية تلفّ تلك الوعود في ضوء الأعذار التي تتلطى خلفها السلطة السياسية، والتهويل، كما الصعوبات، التي تواجه هذه الخطوة، فهل لبنان فعلًا أمام حالة عَصيّة عن الحلّ؟
من الناحية السياسية
عن هذا السؤال يجيب النائب جورج عقيص الذي يواكب ملفّ الأموال المنهوبة، فيشير إلى «أنّ استعادة الأموال المنهوبة لا يحصل سوى بتطبيق القوانين النافذة أوّلًا وأخيرًا، وأهمّها قانون تبييض الأموال». ويدعو إلى «التوقّف عن إيهام الناس بأنّ النصوص تنقصنا، وأننا في حاجة إلى أن يقدّم هذا التكتّل اقتراحًا وذاك اقتراحًا آخر... وندخل في لعبة المزايدات بعضنا على بعض، ونُغرِق التشريع والمجلس النيابي في اصطلاحات، في حين أنّ المطلوب هو أن ننفّذ القوانين المرعية الإجراء».
وقال: «درسنا قانون مكافحة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ووضعنا التعديلات على قانون الإثراء غير المشروع، وبتنا في الأميال الأخيرة لإنهاء الدراسة، وفور الانتهاء من درس القوانين تصبح في يد الحكومة كلّ العدّة التشريعية اللازمة، ويبقى أمران مهمّان هما:
- أولًا: وجود الإرادة السياسية لملاحقة السياسيين، وكلّ من أساء استعمال وظيفته، ومركزه ونَهبَ أموالًا أو سَهّل نهبها، وترجمة هذه الارادة بقرارات.
- ثانيًا: أن يكون القضاء مستقلًّا فعلًا، وأن تعلن النيابة العامة حال الطوارئ، وتعطي هذا الموضوع الأولية، وتنسّق مع الأجهزة المعنية، وتحديدًا هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان».
ويؤكّد عقيص أنه «يمكن للحكومة أن تبدأ اليوم قبل الغد الاتّفاق مع الدول التي تملك نظامًا مصرفيًّا جاذبًا لرؤوس الأموال اللبنانية، كسويسرا وبريطانيا واللوكسمبورغ... وعقد اتّفاقات مساعدة قضائية معها». كذلك يمكنها البدء في إجراء التحقيقات للحصول على المعلومات، سواء لغايات ضريبية أو لغايات التحقيق في مصادر الأموال، صحيح أنّ هذا المسار شاق وطويل، لكن لا يمكننا البقاء مكتوفين».
وشَدّد عقيص على أنّ «استعادة الأموال المنهوبة كفيلة بإنقاذنا من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بنا، وبتحقيق «المصالحة» بين الشعب اللبناني والدولة».
من الناحية القانونية
من جهته، شَدّد رئيس منظّمة «جوستيسيا» المحامي بول مرقص على أنّ «الحديث عن استعادة الأموال المختلسة هو إضاعة الوقت، لأنه لا توجد إرادة سياسية عارمة في اتّجاه رفع الغطاء السياسي عن الأزلام». ويلفت إلى «أنّ السياسيين يعتمدون أدوات عدّة لإلهاء الناس، أبرزها:
- الأداة الأولى، القول إنّ الأموال المختلسة حوّلت إلى الخارج، وذلك لإيهام اللبنانيين أنّ هناك صعوبة في استعادتها، وكأنه لا يوجد نظام «سويفت» أو «تراكينغ» في عالم التحويلات اليوم، لِتَتبّع أثر الأموال وملاحقتها، وكأنّ العالم متفلّت من الضوابط والقنوات ووحدات الإخبار المالي، ناهيك عن أنّ الأموال المختلسة التي ما زالت في الداخل اللبناني هي أضعاف أضعاف ما تمّ تحويله إلى الخارج، وتعود لمتنفذين سياسيين وأمنيين وإداريين.
- الأداة الثانية، القول إننا في حاجة إلى سَنّ قوانين جديدة فيما القوانين الحالية، على عللها والثغر التي تعتريها، كافية لِتتبُّع هذه الاموال واستردادها.
- الأداة الثالثة، التذرّع بالسرّية المصرفية في حين أنّ هذه السرّية لم تعد عائقًا أمام مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، منذ 18 نيسان 2001 تاريخ وضع القانون الرقم 318 الأساسي لمكافحة تبييض الأموال والذي جاء القانون 44 ليحلّ مكانه، أو أقله منذ العام 2009 تاريخ إدخال جرم الفساد إلى القانون اللبناني، وتوقيع اتّفاق مكافحة الفساد الصادر عن الأمم المتّحدة أسوة بـ140 دولة أخرى وَقّعته، وهي تتيح تبادل المعلومات واسترداد الأموال الناتجة عن الفساد السياسي والإداري».
- الأداة الرابعة، تكليف جهات لا يحقّ لها الاطلاع على الحسابات الدائنة، مثل لجنة الرقابة على المصارف، والتي لها فقط أن تَطّلع على حسابات المَدينة، وهذا الأمر غير مفيد في التحقيق، بل أنّ هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان هي الهيئة الوحيدة التي لا تقوم في وجهها السرّية المصرفية.
في حين أنّ المطلوب واحد، وهو إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والتي هي قيد البحث في مجلس النواب، ويجب أن تعطى صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان خصوصًا في موضوع اختلاس الأموال العامة، وصرف النفوذ واستغلال السلطة والفساد، والإثراء غير المشروع، كما عدم قيام السرية المصرفية في وجه الهيئة الوطنية...»
وتقاطَع كلام مرقص وعقيص عن المطلوب من الحكومة الحالية للشروع في استعادة الأموال المنهوبة، فقال مرقص: «يمكنها توفير استقلال فعلي عن السلطة القضائية وعدم التدخّل في عملها، وتحريك النيابات العامة وتعهّد وزير الداخلية أن يعطي الإذن بملاحقة أي موظّف (من أصغر موظّف إلى المديرين العامّين) أمام القضاء دونما إبطاء، ريثما يعدّل المرسوم الاشتراعي نظام الموظّفين في اتّجاه إلغاء الإذن الذي يطلب في كلّ مرة لملاحقة موظّف».
أمام «حكومة مواجهة التحدّيات» تَحدٍّ مفصلي عنوانه استعادة الأموال المختلسة... وهي وضعت لنفسها إطارًا زمنيًا لا يتعدّى الـ100 يوم لكي يتلمّس اللبناني تغييرًا جوهريًا في العقلية المؤسّساتية التي كانت سائدة لسنوات طويلة...
فهل ستُقنِع إصلاحات دياب الوزير السابق، ويلبّي دعوة القاضي ليفصح عمّا في جعبته من شكاوى بالجملة؟ أم أنّ القاضي سيظلّ رهينة للسلطة ويبدّي مرجعيته السياسية على مرجعيته الدستورية والقانونية؟
سمر فضّول/الجمهورية
السبت 8 شباط 2020