­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

أين ريمون إدّه؟

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب

الثورة التي تعمّ لبنان بكامله والتي هي الأولى في تاريخ لبنان ليس لها قائد ولا قادة، وهذا سرّ قوّتها وسرّ ضعفها!
ليس لها برنامج مفصّل، ولكنهم طرحوا عناوين: تشكيل حكومة من المستقلّين عن الطبقة السياسية الفاسدة للخلاص من طبقة الفساد ومحاسبة الفاسدين واستعادة المال المنهوب وأن تتبرّأ من كلّ الطبقة السياسية التي حكمت منذ سنة 1982.
والطبقة السياسية الفاسدة تقاوم بشراسة حتى أنها خلافًا للدستور لم تباشر استشارات نيابية إلزامية رغم انقضاء ثلاثة أسابيع على استقالة الحكومة.
ثورتنا ليست تاريخية في التاريخ اللبناني بل تاريخية في العالم وفي تاريخ العالم وقد بدأت الصحافة العالمية تتحدّث عنها بإعجاب!
ولكن، ولكن لكلّ ثورة تاريخ ولكلّ ثورة قدوة، لأن الأفكار إذا بقيت في الهواء فإنها تتبخّر بل هي بحاجة إلى مرجع تاريخي طالما أنه ليس لها قائد يقودها في الميدان.
إذا انتصرت الثورة في حكومة مستقلّين فمن هم المستقلّون وعلى أي مقاس تريد الثورة المستقلّين عن الطبقة الفاسدة والحاكمة، حكومة من 14 وزيرًا من 14 ريمون إدّه أقول... لماذا؟
الباحث المتجرّد في تاريخ لبنان الحديث بعد الاستقلال يجد في ريمون إدّه وسياسته وتاريخه وأعماله قدوة للثورة! فلماذا لا ترفع الثورة شعارًا لها: "ريمون إدّه".
ريمون إدّه عرف كيف ينشر الأمن في لبنان وبدون الدخول بالتفاصيل نشير إلى قانون إعدام القاتل وإلى ملاحقته "التكميل" من كشفه، إلى القبض عليه، إلى الحكم بإعدامه، إلى إعدامه في تظاهرة إعلامية شهدها الشعب اللبناني وبعد ذلك دبّ الأمن في لبنان ولم نسمع بضربة كفّ، إلى أن كانت اتّفاقية القاهرة.
وكان ريمون إدّه الرجل الذي يعرف كيف يفرض الأمن، والرجل الذي يعرف كيف يتصدّى لمخاطر الأمن الخارجية على لبنان. فهو الوحيد الذي تصدّى "لاتّفاقية القاهرة" وكانت رئاسة الجمهورية معروضة عليه على طبق من فضة، وكمال جنبلاط يقول له أنت مرشّحنا ولكن تخلّى عن حربك على "اتّفاق القاهرة" ولكن العميد كان يجيب أن اتّفاق القاهرة هو حرب أهلية ولا يريد أن يكون رئيسًا لجمهورية الحرب الأهلية.
ريمون إدّه أمّن ازدهار البلد، فهو الذي نجح في تشريع قانون السرّية المصرفية التي جعلت الودائع في المصارف اللبنانية بحجم ودائع سويسرا ولكن الطبقة السياسية الفاسدة بعد صفقة البوما سنة 1982 أفسدت السرّية المصرفية. وكانت المصارف حارس الازدهار اللبناني فأصبحت بحاجة إلى حرّاس لها يحمونها من المودعين!
وكان ريمون إدّه صاحب مشروع الزواج المدني يطرحه في كلّ مناسبة.
ريمون إدّه هو الذي أوجد قانون إيجار السكن الجديد ولم يعد عقد الإيجار أبديًا ويعطي التوظيف في البناء 1% بل حرّر عقد الإيجار وحمى المالك والمستأجر في قانونٍ يقوم على حرّية التعاقد في البناء الجديد فحوّل ألوف المغتربين أموالهم إلى لبنان ليعمروه من جديد ونهضت مئات الأبنية الجديدة ونهضت بيروت عمرانية جديدة!
وتصدّى للأطماع السورية وغادر لبنان وجسمه لا يخلو قطعة منه من رصاصة مرّت قربها، رصاصة سورية أو رصاصة كتائبية! وخدم لبنان من فرنسا أكثر بكثير مما كان سيخدمه لو بقي في لبنان، لأن القتل عند المخابرات السورية وحزب الكتائب كان كأكل الفاكهة، حتى رفيق الحريري الذي ساير سياستهم اغتالوه لأن حجمه كبر أكثر مما يجيزه مقياس إرهابهم.
كان ريمون إدّه رجل دبلوماسية عرف كيف تكون له أحسن العلاقات مع عبد الناصر بدون أن يحيد ولو أنملة واحدة عن مبادئه الاستقلالية!
وكان عبد الناصر معجبًا به كما أكّد لنا محمد حسنين هيكل حين دعته الجالية اللبنانية في باريس لإلقاء محاضرة فيها.
حتى حافظ الأسد حين دبّر خطفه في روما وخُطف إلى خارج روما فإنه أمر بضربه دون قتله، وقال له رجال مخابرات الأسد إن الرئيس يحترمك!
لم يتعاطَ مع الإسرائيليين! ولا عادى الفلسطينيين ليعود فيتآمر معهم كما فعل غيره!
كانت يداه أنظف من طهارة المعابد، وكان كلّ فاسد مرتشي لا يخشى إلّا ريمون إدّه الذي كان بالمرصاد لكلّ فساد أو فاسد في الدولة، فهو تحوّل الى مدّعٍ عام في قضية صواريخ الكروتال التي اشترتها الدولة وظلّ يلاحق إميل بستاني عبر القضاء –الذي كانت فيه نزاهة في ذلك الوقت- حتى هرب إميل بستاني إلى سوريا!
كان الجنرال عون في باريس يطلب منا كلّ يوم لقاء العميد ريمون إدّه، ولكن العميد رغم أنه أعلن ـنه نائب سابق عندما حلّ الجنرال ميشال عون البرلمان، غيّر موقفه حين اطلع على أوراق ووثائق، وطوال عشر سنوات من إقامة العميد ريمون إدّه والجنرال ميشال عون في باريس لم يلتقيا مرة، وكان العميد إدّه يقول لنا في كلّ مرة نطلب منه قبول زيارة الجنرال عون: هذا الرجل خطير عليكم وعلى استقلال لبنان، همّه الوصول وإذا وصل فالويل للبنان!
الثورة، حين يأتي أوان انتصارها وهزيمة الطبقة الحاكمة الفاسدة أول مطالبها حكومة مستقلّين.
ما هو مفهوم المستقّلين؟ أصحاب خبرة وأصحاب أفكار ونظافة كفّ وتجربة سياسية طاهرة من الخارج.
في تاريخنا قدوات مثل ريمون إدّه وفؤاد شهاب وبشير الجميّل وحميد فرنجية وسليم الحصّ ورياض الصلح!
وزارة مستقلّين من 14 وزيرًا، فيها 4 ريمون إدّه و4 فؤاد شهاب و3 بشير الجميّل وحميد فرنجية وسليم الحصّ ورياض الصلح على مقاسهم تمامًا لكسب ثقة الثورة.
ولكن الثورة يجب أن ترفع منذ الآن في الشوارع صور الطاهرين المجرّبين أي القدوات أمثال ريمون إدّه وفؤاد شهاب وبشير الجميّل ورياض الصلح وسليم الحصّ.
فبشير الجميّل يوم انتخابه اصطلح البلد بدون أن يعلّق مشنقة أو يدخل أيًا من الفاسدين في السجون، وكان الفساد يعمّ البلد وقتها، كلّ ما قاله عند انتخابه: "الحرامية مش راح إقبض عليهم، راح استرجع الأموال وعلّق مشانقهم...". فانتظم البلد.
تريدون حكومة استقلاليين عن الفساد ولكن الوزراء يجب أن يكونوا مجرّبين أيضًا وذوي أفكار خلّاقة وتكون أمامهم قدوة لإخراجنا من الجحيم الذي أدخلتنا به الطبقة الفاسدة الحاكمة وتجارب تثبت طهارتهم ونظافة كفّهم على قياس ريمون إدّه وبشير الجميّل وفؤاد شهاب.

بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب
السبت 23 تشرين الثاني 2019