دور المخابرات الأميركية الرئيسيّ في فرار ابنة ستالين من موسكو! بريجنيف يدير الحرب الباردة بيدٍ من حديد! منظومة أمنية جديدة من آندروبوف إلى بوتين!
د. إيلي جرجي الياس*
يبدي الرئيس الروسيّ التاريخيّ، مؤسّس مجد روسيا الحديثة فلاديمير بوتين، كلّ التقدير للزعيم السوفياتيّ الحديديّ، ليونيد بريجنيف! لقد أدار بريجنيف الحرب الباردة، بمواجهة الأميركيين بحنكةٍ عالية وقدرات استخبارية صلبة ومتجدّدة، خصوصًا على ضوء دور المخابرات المركزية الأميركية في فرار ابنة الزعيم السوفياتيّ جوزف ستالين، من موسكو إلى واشنطن! عجبًا كيف استطاعت المخابرات الأميركية تأمين فرار سفاتلانا ستالين في عمليةٍ جريئة للغاية، لكنها عجزت عن حماية الرئيس الأميركيّ جون كينيدي من الاغتيال؟ وطبعًا، للحديث تتمة!
"هربت سفاتلانا ستالين، ابنة الديكتاتور السوفياتيّ والزعيم الشيوعيّ الذي انتصر على الألمان في الحرب العالمية الثانية، جوزف ستالين، إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1967، في خطوةٍ جبّارة، وذلك أثناء زيارتها إلى الهند من أجل نثر رماد جثّة حبيبها الشيوعي الهندي بريجيش سينغ! وقد تمّت عملية هروب ابنة ستالين بمساعدةٍ واضحة وصريحة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية السي أي إيه التي تأسّست سنة 1947، ويبدو جليًّا أنّ التعاون بين الفريقين جرى الإعداد له بدقّة متناهية! فقد وعدت سفاتلانا السلطات السوفياتية أنّها ستعود من الهند مباشرةً إلى الاتّحاد السوفياتي، إلّا أنها بدلًا عن ذلك، توجّهت إلى السفارة الأميركية في الهند وطلبت اللجوء السياسي! يعدّ هروب ابنة ستالين بمثابة ضربة قاضية للمخابرات السوفياتية كي جي بي، التي أنشأها خروتشيف عام 1954! وقد كتبت سفاتلانا مذكّراتها الشخصية، التي لاقت رواجًا هائلًا بعنوان: 20 رسالة إلى صديق، كما استطاعت أن تحصل من وراء هذه المذكّرات، على ربحٍ يفوق المليون ونصف مليون دولار! وفي وصفها لوالدها في مذكّراتها: كان رجلًا بسيطًا جدًا، وقحًا جدًا وقاسيًا جدًا. كان يحبّني ويريدني أن أصبح ماركسية متعلّمة. ممّا أغضب السلطات السوفياتية الشيوعية بشدّة! لكن الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف قبل التحدّي: إنّها بمثابة ضربة رهيبة من المخابرات الأميركية للمخابرات السوفياتية! في 6 آذار 1967، ابنة ستالين بالذات، سفاتلانا أليلويافا، اختارت الحرّية عندما طلبت اللجوء السياسي من الأميركيين. كانت الفضيحة مدويّة. ببضع دقائق تمّ إقصاء الرجلين، فوجد ألكساندر شالابين نفسه على رأس جهاز النقابات، وأصبح فلاديمير ساميتشاستني، وهو على رأس الكي جي بي، نائب الرئيس التاسع في برلمان الجمهورية الاشتراكية السوفياتية لأوكرانيا، وهذا ليس بترقية. بعد ربع ساعة، تمّ التعديل. لاستبدال ساميتشاستني في رئاسة الكي جي بي، اقترح البوليتبيرو اسم يوري آندروبوف. لم يكن آندروبوف يتصوّر أنه سيبقى على رأس الكي جي بي طوال خمس عشرة سنة! على الصعيد الدولي، طهّر يوري آندروبوف جهاز الكي جي بي وجعل منه آلة هائلة تحترف أعمال الرصد والسرقة والتأثير والإفساد أثناء الحرب الباردة. اِرتبطت عملية مطاردة المنشقّين في السبعينيات باسم آندروبوف. فقد شنّ جهاز الكي جي بي تحت سلطته حربًا ضروسًا ضد الشخصيات الرمزية، أمثال عالم الفيزياء آندراي ساخاروف أو الكاتب ألكساندر سولجانيتسين. طارد واضطهد لاسيّما مئات المعارضين السياسيين والمناضلين القوميين. وبعد خمس عشرة سنة، فتحت طريق الزعامة السوفياتية أمام آندروبوف، الذي وصل مع حادثة هروب سفاتلانا الهامّة، إلى رئاسة الكي جي بي بتوازنٍ دقيق، من دون رضا كامل من بريجنيف، ليفتح آندروبوف الطريق لاحقًا أمام جيل جديد من القادة السوفيات والروس!"(1)، وفي مقدّمة هؤلاء الزعيم الروسيّ الحاليّ الداهية في عالم السياسة والأمن والاستخبارات فلاديمير بوتين!
(1) د. إيلي جرجي الياس، أوروبا تشتعل في خضمّ الحرب الباردة، حرب استخبارية أميركية-سوفياتية ضروس، ألمانيا الغربية، وأوكرانيا، وكرواتيا، وإسبانيا، مثالًا!، الدراسات الأمنية والقانونية والعلمية والاجتماعية والنفسية، فصلية تصدر عن مجلة الأمن، العدد الثمانون، تشرين الأول 2019، ص 144، 145.