وكأن أفكاري أمواجًا عاتية وبحرًا لا يعرف السكون، أتساءل بيني وبين نفسي عن السبب فيأتي الجوابُ حالًا بأن ضجيجَ الحياة وتضارب الأحداث العامة والخاصة وتسارعها، وحالة اللّاستقرار التي نعيشها نحن اللبنانيون تجعلنا نحيا بهذا الصراع الهدّام للبشر وللحجر. حاولت أن أكتب عن موضوعٍ آحاديّ الجانب فلم أستطع لأن تواتر القضايا في الفكر والوجدان شلّت تركيزي. حاولت أن أكتب عن آفة الآفات بين الشباب وهي "الأركيلة" ومخاطرها وأضرارها والتدخين فوجدت أن المخدّرات أخطر وأشد فتكًا بالشباب لكني عكفت، فذهبت إلى الكتابة عن الزراعة في لبنان ووضع المزارع المذري وعن تصريف الإنتاج المحلي بطريقة هذيلة في ظل استقدام ذات المنتوجات من الدول المجاورة! وتأثير هذا الفعل على مزارعينا اللذين لا حول لهم ولا قوّة، إذ لا دعمًا تشجيعيًا له من قبل الوزارة المعنية ولا من يحزنون وهو يشتري الأسمدة المستوردة بأغلا الأسعار والبذار أيضًا، فوجدت أن القضية بحاجة لنقاش مطول. اخترت أن أكتب عن وضع التجارة في بلدنا غير المنظمة الغوغائية التي تعتمد على الاحتيال وسلب ما في جيوب الناس! أيضًا الموضوع قضية بحاجة لعلاج أشبه بآخر العلاج وهو الكي... أن أكتب عن الصناعة! فخجلت من نفسي وانزويت! أكتب عن الفساد والمفسدين والفاسدين فارتعبت من النتيجة قبل حدوثها وذلك بسبب لساني السليط... ثم سألت نفسي عن أسباب كلّ ما ذكرته والذي لم أذكره وعن وضعنا اللامستقر اللامحدد الأهداف والمزاحمة بكلّ شيء حتى بحب الوطن والانتماء إليه وكلّ يرى نفسه أنه خير من حَبّهُ واستفرس في الدفاع عنه... لم أجد غير جواب واحدٍ ألا وهو التربية والتعليم والتنشئة الوطنية الصحيحة. انظروا معي إلى هذا المزيج من أنواع المدارس والمناهج التربوية فكلّ طائفة لها مدارسها وكلّ من بحث عن مصدر رزق طلب الترخيص لفتح مدرسة باسمه فيلقى جوابًا إيجابيًا، وإذ بها تكون أشبه بدكّان أو محل تجاري... تخيّلوا معي أن هذا النشأ الذي هو مستقبل البلاد يُعامل كسلعة يتمّ الاتجار بها... فعن أي تنشئة وطنية نتكلم فبهذا يكون الطالب تاجر حتى بذاته ليلحق وطنه، أو يعلمونه الدفاع عن طائفته قبل وطنه، فبهذا يكون الشباب مهيئين بسهولة للجز بهم في أتون الحرب الطائفية كما حدث سابقا وكما يحدث الآن... فكيف سيكون لدينا انتماءً وطنيًا وليس طائفيًا، لن أدخل بتفاصيل أكثر عمّا يحدث بين الأهالي والطلاب وإدارات المدارس... هناك شكل آخر من أشكال شرذمة المجتمع وهو تصنيف المدرسة الرسمية والمدرسة الخاصة، ستقولون بأن جميع دول العالم عندها الخاص والرسمي... صحيح... ولكن الدعم الأكبر للمدرسة الرسمية والإهتمام بها وتوظف قدرات تربوية ومادية كبيرة لتحفيذ الطلبة على التحصيل العالي، ونحن في بلدنا نتجه نحو الخصخصة وندعم الخاص على حساب الرسمي، ويتحفوننا المسؤولين (بأن كلفة الطالب في المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية يكلف الدولة كثيرًا من المال)! عجبي من هذه المقارنة الهدامة... بمعادلة حسابية بسيطة يمكن أن تغيير المعايير (برفع الدعم عن الخاص والرسمي من منح تعليم وغيرها وتعزيز وضع التعليم الرسمي بها!) تسألونني ما علاقة الذي عرضته ببداية المقال بوضع المدارس!؟ الجواب بأن المدرسة هي الأساس في مكوّن الوطن فهي التي تؤثّر تأثيرًا إيجابيًا بتماسك المجتمع وذلك من خلال توحيد الكتاب والمنهج والتربية السليمة، فإما أن يكون عندنا منهجًا وكتابًا موحّدين نتعلّم منهما، ولا نُعَلّب، حماية الحقوق الشخصية والعامة، الدفاع عن الوطن وليس الطائفة، حماية مؤسّسات الوطن والحفاظ عليها وعشقٌ حتى الثمالة بأنه وطننا الجميل وليس هنالك أجمل وأفضل منه. هكذا نتخلّص من جميع الآفات وهكذا تُبنى الأوطان وهذا حلم كلّ مواطن شريف.