حرب السنتين وبعد... ''حرب الابرياء''
د.خالد ممدوح العزي
صدر حديثًا عن دار سائر المشرق بيروت كتاب ''حرب السنتين وبعد ...'' للعام 2016، للإعلامي عادل مالك يضم أربعمائة وإحدى عشر صفحة مقسمة على سبعة فصول وملحق لدراستين، يتميز الكتاب بأنه رؤية خاصة لذكرى أليمة مرت على لبنان من خلال الحرب الأهلية في العام (75-76).
يحاول الكاتب عرض رؤيته الخاصة من خلال متابعته للأحداث اللبنانية حيث اعتمد الموضوعية وللاتحيزية لأي من فرقاء الصراع لكونه يعمل في مجال الاعلام "تلفزيون لبنان" كمذيع إعلامي.
لقد تابع الكاتب الأحداث اللبنانية يومًا بيوم وساعة بساعة من موقعه من خلال التكنولوجيا المتوافرة آنذاك مما جعله يعمل بنظرية التأكد والتحقق قبل الإعلان عن الخبر.
يروي الكتاب في كتابه أحداث تلك المرحلة بتفصيلها الدقيقة مسجلًا يومياتها ودقائقها من خلال الإعلامي وليس السياسي المحلل لطبيعة وتفاصيل ذلك الصراع بالرغم من اقتناعه بأن لبنان أصبح ساعة للصراع الإقليمي والدولي من خلال تنظيمات محلية وما هو موجود على الأراضي اللبنانية.
يذكر الكاتب بأنه يجب الاعتراف صراحة هو أن الممارسات التي شهدتها فترة الحرب قد ولدت هذا التباعد الطائفي رغمًا عن إرادة بعض اللبنانيين لأن ابن المنطقة الشرقية الذي كان يغامر بحياته خلال الاشتباكات العنيفة كي يصل الخبز إلى ابن المنطقة الغربية أو ابن المنطقة الغربية الذي كان يغامر بحياته خلال الحرب كي يوصل البنزين أو أي مادة أخرى إلى ابن المنطقة الشرقية من بيروت، يعني أن هذه الحرب لم تكن حربهم أبدًا. ومع ذلك فإن غالبية ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية هم من المدنيين الأبرياء. ولذلك يطلق عادل ملك على الحرب الأهلية اللبنانية في كتابه مصطلح "حرب الأبرياء"
وهذا ما يؤكده الكاتب عرضه بأن بعد انتهاء الحرب من الجانب التقني حيث يرى بأن الكثير من الحقائق في لبنان أصبحت مضطهدة ومن ذلك الموضوعية التي أصبحت مضطهدة.
إن الكاتب يرى في عرضه للمعلومات التي يخنزنها في ذاكرته ويشدد فيها على الموضوعية بنقل الأحداث والتصاريح والآراء المختلفة للأطراف، تهمة في نقل المجريات. لكن عادل مالك يدعي الشرف بإلصاق هذه التهمة عليه بأنه موضوعي في تفاصيل وجهة نظره الذي يعرضه في كتابه كحقائق وتاريخ وليس كموقف سياسي يفرضه على الآخرين.
في هذا الكتاب يخرج الإعلامي عادل مالك بكتابه هذا ليعرض مخزونه الخاص من تلك المعرفة الجيدة بحيادية وموضوعية عادل مالك الذي عاش تلك المرحلة وأحاط بها بمختلف جوانب المادة التي يعالجها لكنه هذه المرة خرج عن تحفظه الذي اشتهر به، فكشف ما عنده من معلومات وأسرار ومعطيات جمعها كلها خلال حرب السنتين بحكم موقعه المميز في المطبخ الاخباري اللبناني وعلاقته الوطيدة برئيس الجمهورية الراحل "سليمان فرنجية" وباقي الشخصيات السياسية.
يحاول عادل مالك في كتابه أن يروي كل تفاصيل المرحلة التي عاشتها الساحة اللبنانية وما دار عليها من أحداث أليمة تركت شظاياها على المنطقة المجاورة مما سمحت للأطراف الدولية المساهمة في تأجيج الصراع الاهلي.
يشكل الكتاب مادة وثائقية أخبارية لتلك الحقبة التي قد تكون سجلت ودونت بطريقة مختلفة تمامًا كما يحاول عرضها الكاتب الذي يطرق إلى الصراع الداخلي بين الفرقاء اللبنانيين من خلال التفاصيل الدقيقة للقادة السياسيين الذين انقسموا في مواقفهم حول الوجود الفلسطيني وكيفية التعامل معه حيث أصبح الفلسطيني جزءًا لا يتجزأ من المشكلة اللبنانية وعاملًا أساسيًا في المفاوضات التي كانت تجري بين الأطراف، مما فرض جبهتين متصارعتين الأولى تمثل بكمال جنبلاط وياسر عرفات والقوى اليسارية، والثانية تمثل الرئيس سليمان فرنجية والقوى اليمنية وبعض أركان الدولة. هذا الخلاف ساهم بالتدخل السوري الذي أقنع الجميع بأنه العامل الأساسي في الحل والحفاظ على المكونات اللبنانية بكل شرائحها مما ساعد بإعطائه تفويضًا عربيًا ودوليًا للإطباق على لبنان طوال الفترة التي سيطر فيها العامل السوري على لبنان وأصبح لاعبًا أساسيًا في التسوية بين اللبنانيين التي كان يركب بها التركيبة اللبنانية حسب مصالحته ومصالح الشريك الأمريكي الذي فوضه بالدخول العسكري وإعطائه الضمانات الكافية لضرب كل الأطراف والتصالح معها بحسب مصالحه الخاصة التي تجيز له بأن يكون لبنان معبرًا نحو الغرب والانفتاح عليه من خلال البوابة اللبنانية الخاضعة لقبضته.
يعتبر هذا الكتاب مرجعًا هامًا للمكتبة العربية والباحثين بالتاريخ اللبناني الحديث، حيث يقدم عادل مالك رؤية كاملة متكاملة منطقية وموضوعية لتلك المرحلة التي عاشها لبنان .
د.خالد ممدوح العزي
الاثنين 7 آذار 2016