أخطر مشاريع جمال باشا السفاح في منطقة الشرق الأوسط، المملكة الجَمَالية في لبنان وسوريا وفلسطين!
د. إيلي جرجي الياس*
جمال باشا السفّاح، الكردي الأصل، العثماني الهوى، لم يكن قائدًا عثمانيًا عاديًا، بل له سجلّ إجرامي طويل ومخيف، كما في المذابح المرتكبة بحق الأرمن قبل الحرب العالمية الأولى، وهو صاحب طموح واسع لتسلّم القيادة العثمانية العسكرية منفردًا، لعله ذات يوم سيصبح السلطان الجديد، أو على الأقل يؤسّس لمشروعه الخاص والمعقّد!
السفّاح بامتياز، المتعالي على الجميع، صاحب الابتسامات الغامضة والخطيرة، والمستعدّ دائمًا لتنفيذ الجرائم الكبيرة، مهما كانت كثيرة، سبقه صيته الإرهابي إلى بيروت ودمشق، ومذ حل هنالك قائدًا عامًا مطلق الصلاحيات، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، ودخول العثمانيين ساحات الحرب إلى جانب الألمان، بدت عليه علامات القسوة والصرامة والفوقية، ولكنه أيضًا تميّز بالدهاء وبوضع الخطط والخطط البديلة لتنفيذ مخطّطاته الخاصة والرهيبة، وتمكين نفسه في السلطة هو الهدف، ولو تطلب ذلك استعمال كلّ وسائل القوّة والتسلّط والترهيب والاضطهاد!
واندفع الجمال السفّاح لتنفيذ جرائمه، مهما كانت نتائج المعارك على الجبهات، فأضاف إلى الحصار المفروض على الموانئ اللبنانية والسورية والفلسطينية، من البحرية الفرنسية والبريطانية، حصارًا اقتصاديًا بريًا قاسيًا للغاية، عبر قطع المواد الغذائية الضرورية عن السكان، ومصادرة الحيوانات والممتلكات المالية والعقارية، ناهيك عن غزو الجراد بكثافة للسهول والمدن والقرى، وانتشار الأمراض المعدية والقاتلة، ولكَم تحمّل سكان المناطق اللبنانية خصوصًا من ظلم هذا السفّاح المتعجرف اللعين!
وكان جمال باشا، يطوّر أنواع وأشكال جرائمه، على ضوء مفاوضاته مع الغرب، والفرنسيين والإنكليز تحديدًا، لإقامة دولته الخاصة، المملكة الجَمَالية في لبنان وسوريا وفلسطين، مقابل تحييد هذه الدولة وانسحابها من الحرب، مما يسهّل للحلفاء تحقيق انتصار كبير على الدولة العثمانية!
ولقد ساهمت الصهيونية في تلك المفاوضات، في مقابل تمتعها بامتيازات خاصة صادرة عن جمال باشا، أهمّها تعزيز هجرة اليهود إلى فلسطين، ورغم كلّ المحاولات والوساطات، باءت تلك المفاوضات، بفشلٍ ذريع!
ومع فشل المفاوضات، ازداد السفاح عنفًا و إجرامًا، فأقدم على تطبيق أعتى أنواع التعذيب، بحق الشعبَين اللبناني والعربي، وصولًا إلى الأحكام العرفية القاتلة، والإعدامات الرهيبة بحق الأحرار المقاومين، من أبناء شعوب المنطقة الأبطال الميامين، بقصد الانتقام لفشله في تحقيق حلمه، رغم كلّ ما بذل من جرائم وانتهاكات!
يشكّل جمال باشا السفّاح لطخة عار في التاريخ العثماني والتركي، قبل أن يظهر كصفحة سوداء من القتل والتدمير والتعذيب والتشريد، في ذاكرة أوطان وشعوب ومجتمعات المنطقة!
وكان أفضل ردّ من الشعب اللبناني الصامد، على جرائم جمال باشا السفّاح الهائلة، انبثاق لبنان الكبير، بعد الحرب العالمية الأولى، ليتألّق قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، سيّدًا حرًّا مستقلًّا!
* أستاذ جامعي، وباحث استراتيجي.
د. إيلي جرجي الياس
الثلاثاء 3 أيلول 2019