­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

محمد حبش والنبي الديمقراطي

رياض درار

مقدّمة
 تأخّرت في تقييم ما يكتبه الدكتور محمد حبش، وأنا أتابعه منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، فقد أشار علي صديق يومها أن أسمع بعض أحاديثه، وكان يعمل معه في مركز الدراسات الإسلامية، وقد ألمح إليه بجملةٍ واحدة اعتقد أنها محور اهتمامي وأنا أرقب نشاطه من خلالها.
 قال: "إنه محمد عبده سوريا" في ظل السياسات آنذاك وهيمنة قوى دينية معينة وارتهان الدين لسياسة السلطة البعثية الحاكمة كان الجميع من المتنورين يدارون التحوّلات، ويدورون من حولها، ولذلك كان البوطي يستطيع التغلّب على صادق جلال العظم، وكان جودت سعيد يحرث في فراغ، وقد أطل الدكتور محمد شحرور لتوه من خلال كتاب التحدّي "الكتاب والقرآن" الذي خيّب نبوءة الصيداوي بكونه بيضة ديك، كما أسخف هجوم البوطي بأنه صناعة يهودية، فإذا كان الدكتور محمد حبش إعلان لولادة محمد عبده لما يحمل من توجّهٍ إصلاحي، فقد صار محمد شحرور مارتن لوثر الإسلام بتقحمه المجهول، ونفضه الغبار عن النص المركون على الرفوف، وتجاوزه مؤلّفات الأقدمين بمنهجية جديدة، تختلف عن محاولات محمد حبش التي تعمل على التصحيح من داخل المأثور ومن ذات السياق، مع تبشير بإمكانية اقتحام العصر بذات الوسائل مستخرجًا نتائج تتقارب مع المفاهيم المعاصرة. وهو الذي أحاط علوم القدماء فقهًا وأصولًا وعلوم حديث وقراءات وتجول في السير والتاريخ حتى صارت مرآة له يرى من خلالها الأحداث ويتجول في دروبها ويعرف أسماء وأعمال ومآثر رجالاتها، وفي آخر لقاء معه وكنت برفقته في بلاد بعيدة حدّثني عن المكتبة الشاملة التي ترافقه في حله وترحاله وينهل منها كلّ معرفة ثم يوظّفها في طريق الإصلاح والتجديد. ومن خلالها وظّف قدراته المعرفية في اجتهاد جديد في سيرة النبي المصطفى ليبيّن كم كان سبّاقًا بممارسة الديمقراطية، ولا يضيره أن يوصف بكونه ديمقراطيًا، حيث أن المصطلح لم يكن موجودًا ولا معروفًا وهذا ما فصل فيه الدكتور محمد حبش.
البدايات
 لم يقتحم الدكتور محمد حبش تلك المجاهيل التي صارت تزاحم حياة المسلم ولعله قاربها بروحٍ من معلّمه الشيخ كفتارو الذي سعى لمقاربات زمانية تتطلبها مكانته كمفتٍ للجمهورية، وزرعها في تلاميذه الذين حاولوا الدفاع عن الإسلام بمواجهة التغريب والفلسفات الغازية والمصطلحات التي بدأت تجد سوقًا رائجة بفعل التلاقح الحضاري، أو الحوار أو التصدّي والجدال الفكري، حول المدنية والاشتراكية والديمقراطية والعلمانية والحرّية والوجودية، وكلّ ما شغل أبناء الفترة وشاغلهم. فقد كان القرن العشرين قرن تحوّلات بمواجهة الدين ومقاربة العلم. وأولى بالشاب محمد حبش الطموح الثاقب الفكر الحاضر البديهة المتابع لكلّ جديدٍ أن تلفت نظره هذه الظواهر، ولكنها المرحلة تحكم أهلها فلم يكن متصوّرًا أن أحدًا يمكن أن يتجرّأ ويقتحم المحظورات في فترة تنامت فيها ظاهرة التكفير، وبدأت تشغب على حياة من يفكّرون باستقلالية، وظهرت القوى الجهادية تمارس الحكم على المخالفين، وتحكم عليهم بالموت كفرج فودة ونجيب محفوظ. وسايرتهم المراكز الدينية التي حكمت على كثيرين بالردة كما فعلت مع نصر حامد أبو زيد بتطليق زوجته وإخراجه من الملة. وكان جمهور المتدينين الصوفية قبل السلفية ينظرون إلى التجديد على أنه بدعة هدفها هدم الإسلام، وأن الإسلام اكتمل ولا يحتاج مثل هذه الصرعات، والمجدّدون منذ محمد عبده وأستاذه الأفغاني ومدرستهم الموسومة بالإصلاح إنما هم مبتدعة، وقد كتب فيهم المجلّدات تردّ على سعيهم التجديدي، وتسعى لإخراجهم من الدين، وتتهمهم بمراءات الغربيين أو اتباعهم، وهو الكفر لأنهم لا يحكمون بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، الفاسقون، الظالمون. واستجلب ذلك مواجهات جديدة لا على أرضية السُنّة والشيعة فقد اتحدا ضد هذه البدع، ولا على أرضية المذاهب فقد صارت الملجأ المنيع ضد ظاهرة الإلحاد منذ ظهرت الشيوعية والقومية، وبدأ تداول مصطلحات الحرّية والديمقراطية والعلمانية.
التجديد
 في ظل هذا الصراع ظهر مفكّرون سعوا إلى مناهضة هذه الموجات الجديدة بتفكيرٍ متجدّد يقرأ الواقع ويقاربه من الأصول المنزلة، لا على تجارب مرتجلة، ولا من خلال نظرات القرون التي خلت والتي كان لها قواعدها وثقافتها ومعارفها إضافة إلى ظروف معيشتها وهمومها وصراعاتها مع آخر مختلف على أرضية فكر إمبراطوري يحكم السياسة وتحكمه الحدود حيث يصل حافر الحصان وصليل سيوف الفرسان. فهذا زمان مختلف له أدواته وآلياته ولذك أنشا محمد حبش مركز الدراسات الإسلامية لينطلق منه نحو عالمٍ أوسع في التعارف والتجديد.
 كان الدكتور حبش يرى التجديد سعي لفكّ الاشتباك بين العقل والنقل، ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة بينهما. ورأى أن النسخ آلية في التجديد لم تنتهِ كما فعل البعض فأنكروا النسخ، فهو آلية تدفع الأوهام حول أن الإسلام أجوبة جاهزة على كلّ المسائل، والمجدّدون فيمن سبق كانت وسيلتهم (التعامل مع النصّ وفق حاجات وضرورات المسائل المستجدة، إما بتقييد المطلق، أو تخصيص العام، أو تأويل الظاهر، أو الوقف في النص، أو تحقيق المناط وتخريجه). وكلّ هذه محاولات للانخراط في الواقع وفق النصّ. أو فتح النصوص لاحتواء هذا الواقع وتعليله. فهذه كانت وسيلتهم للتجديد. وهو هدف من أهداف السنة دعت أليه وعلى أساسه وضع الفقهاء آليات مضيئة للاجتهاد تمّ توقيفها في عصور إجهاض العقل الإسلامي. فالتجديد عند الدكتور حبش يهدف إلى مسايرة التطوّرات الحاصلة في العالم بما يتوافق مع خصوصية الدين الإسلامي، وهو ما اعتمده السلف باعتماد قاعدة تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان.
محاربة التجديد قامت من جهات المؤسّسات الدينية الرسمية فهي مستفيدة من الثبات وتخشى أن يذهب بها المجدّدون، فهي تحافظ على مدرسيتها، وتعمل على تسفيه كلّ محاولة تخالفهم وتخرج عن طرائقهم. مع أن الدكتور محمد حبش في معرض مرجعيته لبعض أقوال الأقدمين التي يقولون عنها أنها مرجوحة يراها أنسب وأقرب "أنا أرى بعض الآراء الضعيفة في الماضي هي أنسب لزماننا ولو عرضت على مجلس للتصويت لحظيت بالأغلبية" ولعل هذا الموقف هو سرّ محاربة المتشدّدين والمدرسيين له بآن، وهنا يرى أن التيّار المحافظ التقليدي يستعدي العالم كلّه، وإذا مضى في إطاره سيشرذم الأمة، لذلك نحن بحاجة إلى منطق جديد يقبل الجميع ولا يكفّر أحدًا.
الديمقراطية
 وفي مسارات التجديد كان لا بدّ من التعرّض للعلمانية والديمقراطية فهو يرى أن ليس بالضرورة أن يكون العلماني معاديًا للدين، ولا يرى ضرورة لتكفير الديمقراطية، فالديمقراطية نظام يمكن أن تكون برنامجًا هدفه مكافحة الاستبداد وليس بالضرورة أن تكون برنامجًا فلسفيًا أو إيديولوجيًا محدّدة، فهي نظام ويمكن أن يكون صفة لأي حكم مهما كانت مرجعيته الفلسفية، وظيفته مناهضة التحكّم الفردي والاستبداد والاستئثار. والرسول جاء منقذًا للإنسانية من شرور التحكّم الفرعوني والتسلّط القاروني ومن مرجعية الهامانات، فحري بالرسول الكريم أن يوصف بهذا المصطلح الذي غدا عالمًيا عابرًا للثقافات واللغات وصار وصفًا جامعًا للعدالة السياسية.
 والدكتور حبش يرى في ظروف النشأة السياسية للمدينة هدفًا بذاته للبحث عن ملجأ ينشر النبي منه مبادئه مستخدمًا وسائل الدعوة السلمية والإرشاد العقلي والحوار القائم على المنطق، وهذه آلية أولى في الممارسات الديمقراطية.
 وفي الثانية يؤكّد أن لا تناقض بين النصّ (الوحي) واستلهام التجربة البشرية واستخدام الخبرة للوصول إلى أصلح السبل في المعاملات الإنسانية.
وفي الثالثة يتحدّث عن النبي القدوة في الممارسة الديمقراطية وهنا يهتدي القارئ إلى هذه الضرورة الهامة في مواقف القادة وتعاملهم، فهم أوّل مثال إذا فقد في الممارسة ليس للديمقراطية من سبيل إلى الظهور.
 وحين يلمّح الدكتور حبش إلى بعض الممارسات الرافضة للتغيير أو لبذل الجهد في التعمير فهو يلمّح إلى مرجعية أحاديث ضعيفة، فيسجّل هذه الأحاديث لينبّه القارئ إلى أثرها السلبي في السيطرة على الأذهان، إذ أوقفت النشاط الإعماري للكون وجمدت حياة الناس، مما قاد إلى الانطواء والانكفاء، وترك الحلّ والربط بأيدي من لا يخاف ولا يرعوي على خلاف إرادة الله من خلقه، فتملّك رقاب الناس حكّام حكموا باسم الله وتلقبّوا بصفات الله ما جعل دولة الخلافة دينية لا ينفع التبرؤ من صفتها هذه محاجج، وهم خرجوا عن فهم رسول الله وعن ممارسته ودعوته الرشيدة لحكمٍ رشيد، حيث جاع مثلهم، وسكن في مثل سكناهم، وسألهم مراجعته في كلّ مسألة لا قناعة لهم فيها، واقتص من نفسه، واعترف بضعفه، وشاور ونزل عند أهل الشورى، فصفاته الديمقراطية هي قرآنية حيث وصف بالرحمة واللين والعفو والاستغفار لمن معه والمشاورة في الأمر.
معنى الأمر
 وحين نقف عند مفهوم الأمر في القرآن فهو السياسة وإدارة شؤون الأمّة وليس هو الحكم الذي فُهم خطأ أنه الحكومة التي تنفّذ القوانين في الدولة. فالحكم حيث صدر في القرآن مراده القضاء والتشريع الإلهي، وقوله "إن الحكم إلّا لله" تعني قضاؤه وتشريعه وأوامره في النصّ الثابت والمحرّمات المحدّدة. أما حياة الناس ومعاشهم فهو أمر بينهم يقومون به بمعرفتهم ويتوافقون عليه بخبرتهم ويتآزرون على تنفيذه أو تغييرة لمصلحة وهنا تكون البرلمانات وسيلة تشريع الأمر، ولا يتعارض ذلك مع حكم الله لأن الناس أدرى بشؤون دنياهم.
 وفي مراجعه يلفت الدكتور حبش إلى كتاب الشيخ علي عبد الرازق الشهير رغم ما أثير حوله من شبهات وردود تدل على تزمّت المشايخ ما بعد مدرسة الإصلاح التي أقامها الشيخ محمد عبده. حيث رجعت المدرسة الأزهرية عن هذا الدرب فجمّدت الأقوال لتمالئ السلطان وتؤيّد المستبد، فخرجت عن أهداف القرآن، وانحرفت عن مبادئ الإصلاح.
 إن توثيق المعاملات والروايات والأقوال سعي ليس لتبيين أن النبي ديمقراطي فقط، بل لتبيّن أن الإسلام والديمقراطية مصطلحان متوازيان لا يلغي أحدهما الآخر ويمكنها التعايش والتعاون لتحقيق مصالح الناس. فالنموذج الذي خلق رؤية ديمقراطية لدى عمر بن الخطّاب وعمر بن عبد العزيز وبعض التعبيرات والمظاهر التطبيقية في ثورات المستضعفين على المستكبرين والظلمة يكشف حقيقة التطابق بين الديمقراطية والإسلام كما يبيّن عوار المناهج الرافضة للديمقراطية لدى سيّد قطب وتقي الدين النبهاني وهما صانعا السلفية الجديدة التي تحارب كلّ جديد كونه جاء من الغرب، ويريان في الديمقراطية كفرًا بواحًا وطاغوتًا ملعونًا.
مسارات الكتاب
 الشواهد التي يأتي بها الدكتور محمد حبش من حياة رسول الله وكلماته، وجمعها ومقاربتها ديمقراطيًا، هي ما يقرأه كلّ متابع للسيرة، لكن الاستخلاص الذي يقاربه دكتور حبش هو ما يلفت النظر إلى قدرة على الربط بين الحوادث ومشابهتها وكأنها معاشة في حياتنا المعاصرة حيث تتجلّى الشورى بأنصع صورها والمساواة بين الناس باختلاف مشاربهم وبين أتباع الرسول فالناس سواسية كأسنان المشط ولا فضل لعربي على عجمي إلّا بالتقوى، وحيث الدستور المدني الذي تجلّى في الصحيفة بين أهل المدينة ينصّ على مفهوم المواطنة المتساوية، ويركّز على الحرّيات مقابل العبودية بمعناها في وقتها كبداية للتحرّر والانعتاق لممارسة الحياة بلا قيود.
 فالحرّية بالمعنى الإسلامي، وفي النصوص كما فسّرها العاملون، جاءت ضد الرق ومنه تحرير رقبة (والحرّ بالحرّ والعبد بالعبد) وهذا المعنى المعرفي الأوّل لا يكتمل إلا بإدراك أن الحريات اجتماعية واقتصادية وبمواجهة الاستبداد والهيمنة الطبقية، وهذا ما أراده الرسول وعبّر عنه القرآن، وقصر في تفسيره المفسّرون.
وهذا الغياب المعرفي هو بسبب عدم وعي أبعاد وكلمات جاءت في كتاب الله مثل الفرق بين العبيد والعباد، فالعبد مقابل الحرّ ولكن العابد هو المنعتق من أي قيد والقادر على الاختيار بذاته بين الطاعة والمعصية وبين أي شيئين مختلفين، وحتى لو اختار الكفر فهو حرّ في اختياره وحسابه على الله حيث لا إكراه في الدين.
 وقد وُفّق الدكتور حبش في مقاربة مفهوم الردّة من الأمر السياسي والاقتصادي الذي يتعلّق بالدولة لا بالدين، وبذلك كان تفنيده لظاهرة حكم المرتد وأنه لا ردّة بالمعنى المتداول، وحروب الردّة ليس لأنها نقض للدين بل هي نقض للعقد السياسي وتراجع عن اتفاق الدولة. وبسبب الفهم الخاطئ للردّة تحكّم القادة والرؤساء في رقاب البشر، وجرت محاكمتهم دينيًا، وكانت الرقابة على الضمير سببًا في وسم دولة الخلافة بأنها دولة دينية، وخرجت من مجتمع الحرّيات إلى الملك العضوض. وما زالت أوصاف الكفر تتداول تعبيرًا عن هذه الردّة، ومنها وصفهم الديمقراطية أنها كفر لأنها اتباع ما يريده الشعب .
 الدكتور محمد حبش يردّ على هذا الاتهام بأن النصّ الديني هو محل حوار دائم، وليس اتباع أصم. وعليه فإن الناس (الشعب) يمكنها أن تنسخ (تغيّر) بعض النصوص لحاجة الأمّة، حيث قاعدة "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، ومن غير دخول في الجدل، فأنتم قد عرفتم ما حرم الله عليكم وهذا حكم الله، وهو قضاؤه وقدره، فلا تقرّبوه ولا تعتدوه، أما حياتكم فهي ملك لكم وأنتم تأتمرون بشأنها وأمركم مشيئكم وهو شورى بينكم، وهذا أس الديمقراطية.
 والنبي ذاته قرّر أنه لا يعرف كثيرًا من الأمور، ولا يعرف ما هي ولا يعلم الغيب، ورأيه منه وهو يشاور الناس ليصل إلى قرار.
النسخ تجديد
 أما النسخ فهو أداة التجديد وآلية يلجأ إليها المصلحون وممثّلو الناس حتى لا تجمد النصوص ولا يوقف عند ما يمنع التقدّم ويجمّد الحياة، ويضرب الدكتور حبش أمثلة على النسخ في القرآن، وهي أحكام ما زالت مكتوبة وكذلك في السنة، ويحصي لذلك ثمانية وأربعين حكمًا على مبدأ "إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم أجد غيرها خير منها إلّا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني". ثم في أحكام الفقهاء التي تجري على تغيّر الأحكام بتغيّر الأزمان، وهذا كلّه معيار اكتمال الشريعة باستمرار وتجدّدها باستمرار، فما بالك بقواعد الحياة الدنيا من سياسات واقتصاد وحقوق.
 الدكتور حبش يقوم بجولةٍ في أحكام الشريعة ومراجعة للتاريخ ليؤكّد حصول النسخ باستمرار، معتبرًا أنه واحد من أوضح الأدلة على قدرة هذه الشريعة على التطوّر والاستجابة لكلّ جديد وتأمين مصالح الأمّة، وهو أمر لم يتوقّف بموت الرسول، وأنه استمر بآليات أصولية بارعة قام بها الفقهاء والأهّم من ذلك أن رسول الله بشر من البشر لذلك انتقلت الرسالة معه من تعليم السماء إلى قدرة البشر على تعليم أنفسهم، وتطوير واجتراح تشريعها باستمرار بفضل اكتمال الرسالة وتمام نعمة الإنسانية والعقل.
ختام
 إن مشروع النبي الديمقراطي قراءة في سيرة الرسول الأكرم ولكن من أرضية معاصرة لمفهوم الديمقراطية. قراءة لم تخلُ من نقد للمجتمع المعاصر الذي تحكّمت فيه عقول جامدة، وحركات تكفيرية تنكر على كلّ مجتهد، وتحارب كلّ جديد، وقد نقل من هذه السيرة أحكام القرآن وسنّة النبي التطبيقية، وحياته اليومية التي لا تخلو من مراجعة ومساءلة ونقد وتصحيح، وفي كلّ ذلك هو بين بشريته ورسالته يقول: "سبحان ربي هل كنت إلّا بشًرا رسولًا"، وفي كلّ مرّات حياته لم يبد غضبًا لنقد، ولم يتوعّد المعترضين، واستخدم الوداعة والتسامح واللين، وتراجع عن بعض الآراء نتيجة ضغط المواقف، وأكّد احترامه الشديد للإنسانية. /وفنّد الدكتور حبش بعض الروايات الشنيعة بحقّ الرسول وهي روايات ساقطة عقلًا ورواية وفيها من مبالغات الرواة مثل مجزرة بني قريظة وقصّة العرنيين، وأيّد القراءة النقدية للسيرة وهو أمر محمود/. مع التأكيد أن الوقوف عند معالم بشرية الرسول لا ينقض مقامه المعصوم، وأنه سيعزّز الاحترام والتقدير واحترام رسالة العقل فلا خوارق ولا عجائب، وإنما كفاح ديمقراطي وعمل للحرّية وإنجاز للعدالة والمساواة، وقدوة في الإخلاص والتحمّل من أجل الأهداف السامية.
رياض درار

الأربعاء 20 شباط 2019