­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

رداء عثمان

النقيب رشيد درباس

كما يُطْوى علم الوطن عند إيواء جثمان البطل إلى رخامه الأخير، تخيّلت جلباب المهابة الذي غادره جسده بعد عِشْرة تخطّت السبعين، وقد طوي بعناية رجال القانون، تحيّة لصاحبه الذي وهب علمه وعبقريته ومناقبيته لمهنة وجد فيها "ظلّه العالي" على ما يقول محمود درويش، وفضاءه الأرحب، فلم يسع إلّا في ميدانها، ولم يجد سدّة له أرقى من خدمة العدالة فانصرف بفكره النفاذ وشخصيته الآسرة إلى إحراز النجاح لموكيله، إلّا في قضية واحدة، هي قضيته الشخصية، وجرح عمره الذي سيتندى به ضريحه ما بقي دم أخيه الشهيد حسن ورفاقه القضاة، معلقاً على قارعة الزمن وعجز السلطات عن ضبط المجرمين وزجهم في قفص حقيقي لا افتراضي.
لن أنسى ما قاله لي عندما كنت أقدّم له العزاء باسم نقابة محامي طرابلس: "لن تمرّ بي بعد الآن لحظة سعادة واحدة..."
بعد هذا، كنا نلتقي في مناسبات عديدة، ومنها لجنة توحيد وتحديث القوانين برئاسة الوزيرين العزيزن بهيج طبارة وابراهيم نجّار، وكان سليم عثمان حاضراً بكامل أناقته ولياقته الفكرية، يتدخل ليكون له القول الفصل، لما تضلع به من فلسفة القانون قبل الممارسة؛ ولكنني لم أعد أشاهد على شفتيه طيف ابتسامة، ولا على محياه بشاشة، وفي كلّ مرة كنت أتخيّل آثار تلك الدماء البريئة على ردائه الأسود، فيُخَيَّلُ لي أنه "رداء عثمان" لم يلوح به كما فعل "مروان بن الحكم" بل ضمّه على صدره كمن يداري الألم، ومضى ليسهم في خدمة ما يراه حقا..حتى انتقل إلى عالم الحق.
كان هدوؤه ينم عن ثقة عميقة في نفسه نابعة من الجدية وعمق علومه، وفطنته التي تضيء كانبثاق الشعلة من شمعها، سلسة ، لطيفة ولاسِعَةً عند اللزوم..
ولكن عقله الكبير وجسده الكبير، كانا صنوين لقلبه الكبير الذي ملأه الحبّ، فظلّ يفيض رغم توقف الخفق، وتلك طباع الينابيع التي تتدفق ماءً نزيهًا، عريق الصخر، كريم المورد...
الأستاذ سليم عثمان..عائلتك تفتقدك، وأهل العدل كذلك...

النقيب رشيد درباس

الأربعاء 28 تشرين الثاني 2018