­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

حكومة «أمر واقع» لم تعد تعني حكومة «أكثرية»

جورج شاهين

نادرًا ما يلتقي معظم الأوساط على الحديث عن قرب تأليف الحكومة العتيدة بالقفز فوق العقبات التي حالت دونها إلى الآن. ومردّ هذا الإجماع الوصول إلى مفهوم جديد لحكومة «الأمر الواقع». فقد سقطت التفسيرات التي ربطت بين هذه الصيغة وما تعنيه «حكومة الأكثرية» التي يمكن أن تفجّر العلاقة بين أطراف التسوية. وعليه ما الذي يعنيه التهديدُ بها؟ ولماذا اليوم؟
ضاقت كلّ السبل إلى المخارج والحلول التي يمكن الوصول إليها لتأليف حكومة تُرضي مختلف أطراف التسوية الرئاسية الذين يحتفلون بعد أيام بالذكرى الثانية لإتمام «الصفقة السياسية» التي أنهت الشغور الرئاسي، وأوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وأعادت الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي. وعلى رغم عبور الأشهر الخمسة على التكليف، فقد ظهر المشهد الحكومي في الساعات المنصرمة كأنّه اقترب من نهاياته الحتمية مخافة الانزلاق إلى محطّات تضيع فيها كلّ الجهود التي بُذلت حتى الآن لضبط الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
على هذه الخلفيات، تسارعت الخطى في الساعات الماضية لاتّخاذ قرار كبير وجدّي يُنهي حالات التردّد التي سادت بعض الأوساط تجاه التوزيعة النهائية للحقائب الوزارية، بعدما استُنفدت كلّ المحاولات لإجراء تعديلات طفيفة على رغم إدراك الطبّاخين استحالة إعادة النظر في أيٍّ منها. وباستثناء الحصّة التي نالها الثنائي الشيعي، دارت الأفكار المطروحة على حصص الجميع بغية توفير حقيبة بديلة من حقيبة العدل التي تمسّك بها رئيس الجمهورية لإرضاء «القوّات اللبنانية» برباعيّتها الوزارية الجديدة بلا جدوى.
ففي ظلّ النزاع المحتدم على حقيبة وزارة العدل وما سعى إليه أكثر من طرف لمعالجتها، لم ينجح الساعون إلى المخارج في إيجاد أيّ صيغة تغيّر من موقع حقائب «الأشغال» و«الصحّة» و«التربية» و«الاتصالات» و«الطاقة». كذلك تمّ التفاهمُ على توزيعها عند حلّ العُقدة الدرزية بعد حصّة «المردة».
وإثباتًا لصدقيّة هذه النظرية، فقد تمترس الجميع خلف مواقفهم ولم يعد هناك أيّ أمل في تغييرٍ ما يمكن أن يطرأ. وهو ما قاد إلى الحديث عن حكومة «أمر واقع» في الساعات القليلة الماضية والتي قد تُترجم في الساعات المقبلة وفي أمد يقاس في حدّه الأقصى نهاية الشهر الجاري بمعزل عن الاستحقاقات التي ينتظرها لبنان والمنطقة، سواءٌ تلك المتصلة بالعقوبات الأميركية على إيران وحلفائها في لبنان والمنطقة والتي أطلّ الجزءُ اللبناني منها في الساعات الماضية بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المجموعة الجديدة منها تجاه «حزب الله» والتي تهدف إلى «حرمانه من الحصول على موارد لتمويل نشاطاته». وقد جاءت في ذكرى مرور 35 عامًا على الهجوم الذي استهدف مقرّ مشاة البحرية الأميركية (المارينز) في بيروت عام 1983.
وعلى رغم حجم المفاجأة التي أحدثها القرار الأميركي الجديد في توقيته، استباقًا للمرحلة الثانية من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران والتي سيبدأ تطبيقُها في 5 تشرين الثاني المقبل، لا يتوقّع اللبنانيون أيّ ردّ فعل فوري على هذا القرار، لا بل إنّ هناك اعتقادًا بأنّه سيواجَه بمزيد من السخرية من جانب «حزب الله» وإيران وحلفائهما مقابل الاعتراف المسبَق بعقم انعكاسات مثل هذه القرار على القيادة الحزبية وقادتها. ولكنّ ذلك لا يحول دون تمدّد القلق إلى محيط الحزب الطبيعي وبيئته المذهبية والمالية والاقتصادية والاجتماعية، نتيجة التردّدات السلبية التي سيتركها عليها عندما ستصدر اللائحة الجديدة بالمؤسّسات والشركات والأشخاص الذين سيطاولهم القرار بحكم صلاتهم بالحزب.
ثمّة مَن يقول إنّ شكل التعاطي مع القرار الأميركي الجديد سيُسقط الحديث عن أحد العوامل التي تسبّبت بتأخير تأليف الحكومة، وإن كان الأمر سيثبّت نهائيًا بعد ساعات على صدور هذا القرار أو عدمه، فإنّ الإشارة باتت واجبة إلى الظروف الأخرى التي تحتّم الإنسياق إلى حكومة «الأمر الواقع». فالتحذيراتُ التي أودعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لدى المراجع السياسية المعنية وأطلّ بها إلى العلن بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الأول، يجب أن تؤخذ في الاعتبار وبالجدّية والخطورة التي تستحقها.
فإلى هذا الإنذار المالي والنقدي، ضمّ رئيس الجمهورية، على ما يبدو، مهلة نهاية الثلث الأوّل من العهد التي تُصادف نهاية الشهر الجاري، إلى الإستحقاقات التي توجب البتّ بتأليف الحكومة، وهو ما جاراه فيها رئيس مجلس النواب الذي جمّد الدعوة إلى جلسة تشريعية أمس الأول والرئيس المكلّف الذي تحدثت أوساطه عن تفسير جديد لحكومة «الأمر الواقع» التي تناقض «حكومة الأكثرية» في شكلها ومضمونها وهي قد تكون الوجه الآخر لحكومة «وحدة وطنية» ولن يغيب عنها أحد، وخصوصًا «القوّات اللبنانية»، وإلّا لن يؤلّفَها. مع الأخذ في الاعتبار أنه عائدٌ للتو من مؤتمر الإستثمار في الرياض محمَّلًا بكمٍّ من التوقّعات والسيناريوهات الصعبة التي تتحدّث عن خضّاتٍ إقليمية ودولية قد تنعكس على لبنان.
وبناءً على ما تقدّم، تبادلت أوساط سياسية ضيّقة أمس معلوماتٍ عن دعوة «مشفّرة» وجّهها مرجعٌ كبير إلى وقف اللعب على حدّ السكين منعًا للوصول إلى ما لا يرغب به أحد؟ 

جورج شاهين/الجمهورية

السبت 27 تشرين الأول 2018