بشارة مرهج يكشف أسرار »كهوف السلطة»
بيتر سلمون
بعد نحو خمسةٍ وعشرين عامًا أفرج الوزير والنائب السابق بشارة مرهج، بين دفتَي كتابٍ صادر حديثًا عن دار سائر المشرق، عن حقيقة الأحداث المهمّة التي عايشها من موقعه المتميّز كوزيرٍ للداخلية سواء من الناحيتَين الأمنية والسياسية بين عامَي 1992 و1994. من حادثة جسر المطار التي أدّت إلى مقتل عددٍ من المتظاهرين إثر قمعهم من قبل قوى الأمن الداخي لدى خروجهم للاعتراض على اتفاق أوسلو، إلى حلّ حزب القوّات اللبنانية ومرسوم التجنيس الشهير وصولًا إلى ما عُرف بـ"مرسوم منتصف الليل".
إستفاض بشارة مرهج في شرح خلفيات وحيثيات هذه الأحداث من موقعه المشارك والفاعل. كما أنه أماط اللثام للمرّة الأولى عن أسرارٍ ووقائع نادرًا ما تمّ تداولها في العلن. فهو يكشف الأسباب الكامنة وراء إصدار مرسوم التجنيس الشهير. فيقول في الصفحة 375 من الفصل الرابع عشر المخصّص لهذا الموضع: أن "مرسوم التجنيس رقم 5247 الصادر بتاريخ 20 حزيران 1994 لم يصدر من فراغٍ أو بسبب رغباتٍ ذاتية لدى أركان الدولة، ولكنه صدر بسبب واقعٍ مؤلم ومريع كان يضغط آنذاك على المجتمع والدولة والحياة السايسية منذ استقلال البلاد عام 1943". وهو يضيف: أنه "من المعروف للقاصي والداني أن الحكومات المتعاقبة كانت تتعامل مع ملفّ المحرومين من الجنسية اللبنانية بخوفٍ وتردّد أو من خارج دائرة الموضوعية التي تفرض عليها أن تكون منصفة وعادلة تجاه المستحق والمظلوم..." و"كانت الحكومات تحجم عن إعطاء المستحقّين الجنسية خلا قلة منهم يحصلون عليها بصورةٍ انتقائية أو وفقًا لاعتبارات طائفية". أمام هذا الواقع كان لا بدّ للحكومة بحسب بشارة مرهج أن تتّخذ القرار، فشُكّلت لجنة وزارية لإعداد مشروع قانون جديد للجنسية اللبنانية يحدّد فيه شروط نيل الجنسية، وعندما لم تتوصّل اللجنة إلى تفاهمٍ حوله، قرّر الوزير بشارة مرهج بصفته وزيرًا للداخلية وبعد التشاور مع كلٍّ من رئيسَي الجمهورية والحكومة آنذاك الياس الهراوي ورفيق الحريري على إصدار مرسومٍ يقضي بإعطاء الجنسية لجميع المستحقّين. ويشير الوزير مرهج في الصفحة 379 إلى أن الرئيس الياس الهراوي "تعرّض لضغوطٍ متواصلة لإلغاء المرسوم قبل إنجازه، وذلك من قبل جهات لبنانية نافذة مما جعله يتردّد في بعض الأوقات طالبًا التريّث في الإقدام على ذلك القرار الخطير".
أما مرسوم "منتصف الليل" الذي صدر ليل الثاني من أيلول 1994، تحت الرقم 5608 والمُزيّل بتوقيع رئيسَين الياس الهراوي ورفيق الحريري أثناء توجّههما إلى العاصمة اللبنانية بيروت بعد زيارتهما لدمشق. قضى هذا المرسوم بتبديل حقائب وزارية من دون العودة إلى مجلس الوزراء المخوّل وحده اتخاذ قرار الإقالة بحسب ما نصّت عليه الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور اللبناني الصادر في العام 1920 والمعدّل بموجب القانون الدستوري الصادر بتاريخ 21 أيلول 1990، فأسند حقيبة الداخلية لنائب رئيس مجلس الوزراء ميشال المرّ وأبقى على الوزير بشارة مرهج عضوًا في مجلس الوزراء ولكن من دون حقيبة. وبحسب مرهج لا يجوز إقالة وزير ما من الحكومة من دون موافقة ثلثَي الوزراء، خاصة أنه نال ثقة مجلس النواب كوزيرٍ للداخلية ولا يجوز تخطّي صلاحية المجلس النيابي. وفي تبريره للمرسوم ينقل بشارة مرهج في الصفحة 402 أن الرئيس الياس الهراوي في كتابه "عودة الجمهورية" كتب ما يلي: "لم أغفر لمرهج تهرّبه من المسؤولية -مسؤولية قمع تظاهرة جسر المطار- ومحاولة إلقائها على عاتق رئيس الجمهورية. إنتظرت نحو سنة كاملة لإقصائه عن حقيبة الداخلية لأن رئيس الحكومة كان حريصًا على إبقائه فيها، علمًا منه أن في نيّتي أن أعهد بها إلى نائب رئيس الجكومة (ميشال المرّ) الذي لم تكن تربطه به علاقة وديّة".
تكمن أهمّية هذا الكتاب أنه يتناول مرسوم التجنيس بالأرقام، خاصة لجهة أعداد المستفدين منه. فالبعض قال إن عدد المجنّسين تراوح بين 300 ألف و800 ألف. إذ أن الوزير بشارة مرهج كشف للمرّة الأولى عن عدد الأشخاص الذي استفادوا من مرسوم التجنيس الذي صدر بتاريخ 20 حزيران 1994. فبحسب ما أورده الوزير والنائب السابق مرهج في مؤلَّفه (الصفحة 385) أن عدد الأشخاص الذي تمّ تجنيسهم هو 159641 شخص بمن فيهم القاصرين. ومن بين هولاء المجنّسين هناك 117254 شخص ينتمون إلى الطوائف الإسلامية و38291 شخص ينتمون إلى الطوائف المسيحية و3976 غير محدّد إلى أي طائفة ينتمون. ولكن هذا المرسوم لم ينفّذ على جميع الأسماء التي شملها وذلك لأسباب تتعلّق إما بالوفاة أو السفر أو الزواج، فاقتصر التنفيذ على 153452 شخص من بينهم 116424 مسلم و37028 مسيحي.
بيتر سلمون
الجمعة 5 تشرين 2018