­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

ماريكا المجدليّة

د. مارلين مسعد كزينجر

"ماريكا المجدليّة" رواية منمّقة بالفلسفة وعلم النّفس وذات أبعاد اجتماعيّة، لم تقتصر على الحقبة الماضية بل تخطّت الزّمان وتعدّت حدود قرية "كفرماش" لتشمُلَ كلّ قرية لبنانيّة في زمن غير محدّد.
تناقض عنوان الكتاب عكَس الصّراع القائم بين وجهَي الخير والشرّ، بين مصير الإنسان والتّساؤل الذي تكرّر في سياق القصّة، إذا ما كان هذا الإنسان مخيّرًا أم مسيّرًا، يعاني مما اختارته له الحياة أو بإمكانه أن يصنع قدره بيده وخياره الحرّ؟
ما إن تفتح الكتاب لتبدأ بالقراءة حتى يشدّك الخلاف بين أهل القرية حول جثمان "ماريكا" امرأة الهوى الذائعة الصيت في تاريخ بيروت الحديث التي ارتدت، مع الأديب الراحل، لقب "المجدليّة" ومحاولات" أبونا الياس" وصديقه "أمين" وإصرارهما على دفنها قرب الكنيسة، إلى جانب الصّالحين والصّديقين، وما يدور من جدل وأحداث حول مشكلة أقرب إلى الّلغز منها الى سوء التفاهم أو العقدة.
يكمن الّلغز في مذكّرات "ماريكا"، صورة المرأة المنتهَكة، وسيرتها التي بدت وكأنها جدار تلصق عليه كلّ الأحكام، والثّرثرات لينهدم من ثقل الملصقات، فيغدو كومة حجارة، امتدت يد البعض اليها لترجم، والاخرى لتعيد بناء صورة المرأة كما ارادها الخَلقُ أن تكون حبيبة وليس سلّة أهواء.
لم تخلو الرواية من الرأي الذّاتي المنتقِد والايحاءات اللاذعة الى رجال الدّين والسيّاسة ومن مشى حذوهم، في رجم ماريكا، لكن هذه الذّاتية ارتدت الموضوعيّة المفترضة في الرّواية، بمهارة مبتكرة أتت على لسان الشّخصيّة البطل "أمين"، الثّائر على الأعراف والمكر، الذي لم يتراجع بثورته عن الترحيب بالموت " مرحى بطردي من ارضي بقوّة السّلاح وتهجيري، مرحى بجرف بيتي على رأسي، مرحى بالموت ... عدميّا جعلتموني". استخدام مصطلح "العدميّة" وتكثيف الحقل المعجمي الى اقصى حدود المبالغة جاء يلقي الاضواء على الواقع " المسلّم به" والثورة على الاعراف.
امين هو الكاتب ذاته، الذي استعان بالتّساؤلات والمصطلحات الفلسفيّة ليضفي على النّص طابعا وجوديا، باسلوب وصفيّ مقتضب.
فالقارئ ينتقل من فقرة الى فقرة وليس من فصل ذات عنوان الى آخر.
اعتماد هذا الاسلوب الرّوائي المتسلسل، والمختصر اضفى على هيكليّة الرّواية نمطا مختلفا، طغى فيه الحوار على السّرد، وتعدّدت المشاهد الخياليّة التي احيتها الحوارات وزخم الاحداث المتتالية والوجوه.
ما يبعده عن الثرثرة لملء الصّفحات والملل، وما يدهش القارئ فيبدو وكانّه يشاهد القصّة ولا يقرأها فقط.
حبكة هذا السيناريو الادبيّ المرئي، تختلف عن الحبكة الكلاسيكيّة للرّواية المألوفة، ما جعلها في أدراج المكتبة العليا، علَّ عين العدسة تقع على " ماريكا المجدليّة"، فتُترجَم وتحتل مكانا بين المسلسلات الاخرى، بغية ترقية انتاج الشّاشات والمشاهد ببعض الثّقافة والعودة الى الذّات، في زمن اخذت القيم الثقافية المرئيّة اجازة مطوّلة.
أما النّهاية فقد قَلَبَ الكاتب المعايير، وكانت مذكّرات " ماريكا" في نهاية الكتاب بمثابة مقدمة! فيها قصّة المرأة المرجومة، والمجدليّة المنبوذة، قبِلَت السّماء بتوبتها لكن لعنة الناس فاقت كل حبّ ومسامحة.
رواية الحقيقة المتناقضة في مسار السّطور، والتّساؤلات المربكة، تنتشلكَ من واقع الى مثيله، تخطّىت الزّمان لتنبض في كلّ صفحةٍ وتحيا في كلّ آن بروحِ الثّائر " ثورتي بدأت قبل ميلادي وتستمرّ بعد وفاتي" صرخ أمين بقلم الاستاذ الكاتب الرّاحل ايلي الصّليبي!
ها هي بيروت مدينة الحبّ، في غضون العامين من الغياب، تنتظر مَن يُكملُ طريق الخلق الادبي الصّاعد وما زالت تحتضن بحبِّ، رواية الوجدان في كتاب مجدليّة!
د. مارلين مسعد كزينجر، مؤلّفة كتاب "في غياب الناقد"، الصادر عن دار سائر المشرق، سنة 2018.

د. مارلين مسعد كزينجر

الإثنين 6 آب 2018