­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

وداعًا رامونا

غادرتنا اليوم كاتبةٌ مميزة ألهمت الكثيرين من الشابات والشبان اللبنانيين والعرب، هي رامونا صفير التي تعطي معنى لكلّ شيء، بما في ذلك المرض والموت. صحيح أن المرض ألزمها الفراش لنحو أربعين عامًا إلّا أنه لم يقعدها عن الإنجازات الكبرى، والشلل التام الذي أصابها، لم يمنعها من الاستمتاع بالحياة كأي شخصٍ طبيعي، ومن تحقيق كلّ ما كانت ترغب به. كانت تعرف كيف تشرك جميع ما يحيط بها في مشاريعها وتجعلهم يشعرون، وهم في منتهى السعادة، أن عليهم أن يُنجِحوا مساعيها. إنها أو كانت بالفعل قائدة.
طبعًا كانت سيدة استثنائية، بكلّ ما في الكلمة من معنى، تتقن فن إقناع الآخرين، الأقربين والأبعدين بمساعدتها على بلوغ مرادها، ولكن إضافة إلى حنكتها وذكائها المتقّد، كان لها حظ الولادة في عائلة تحبّها وتمدّها بالقوّة السحرية التي جعلتها مبدعة وقادرة على مواجهة الصعاب لنحو أربعين عامًا فيما الأطباء توقّعوا لها، بعد تشخيص المرض، ألّا تعيش أكثر من عدد أصابع اليد الواحد.
آخر ما كتبته رامونا عشية يوم رحليها: "أتمنّى قبل أن أنام ألّا أستيقظ في هذه الدنيا وأنا على حالي... كما أنني أحسد ألعازر الذي انتصر على قيامه من فساد الموت في الأيام الخوالي، إذ ناداه من هو القيامة قائلًا: هلم خارجًا يا بالي، فقام من الموت ولاقى حبيبه يسوع ومن شاهد الواقعة حكى لي أني أنا أيضًا أقوم إذا شاء وناداني من هو القدير والوالي.
"أنتظر هذا النداء لأخرج من هذه المعاناة ولا أعود أبالي بألم ووجع بحزن وأنين، مصلوبة في سرير ضَجِر من حالي. واحد وعشرون عامًا حملني وما زال قادرًا على احتمالي إلى أن أحيله إلى التقاعد يوم يحين موعد انتقالي من نتانة الموت إلى قيامة الحياة لأقدّم إلى الله ابتهالي مع كلّ أحبائي الذين سبقوني وتجمهروا لاستقبالي في منازل النور والحياة والفرح التي لا يستطيع أن يتصوّرها خيالي".
وفي رثائه لها، كتب الأستاذ برهان الشريدة، العراقي المقيم في الأردن، والذي نشكره على طلبه إيصاله إلى دار سائر المشرق:
"إنفطر قلبي حزنًا عليك لأنك فارقت الدنيا، وفرحتُ لك كون روحك الطاهرة ترفرف الآن في جنان الخلد حيث لا ألم ولا حزن. لقد تركت لنا إرثًا لن ينضب من تجارب الحياة في كتابك "الشجرة القزمة" وفنون في الرسم تنبض بجمال الطبيعة وتعبّر عما يجيش في فكرك الجميل والملئ بالرقة والحنان والطيبة بالرغم من معاناتك وصراعك الشجاع مع المرض. ستبقين يا رامونا في ذاكرتي دومًا ويبقى كتابك رفيقي فيما تبقّى لي من العمر ومنه أستقي خلاصة دروس الحياة من صبر وكفاح وأمل..."
أما الزميلة في دار سائر المشرق الشاعرة نهاد الحايك التي لن ننسى فضلها في الجمع ما بين رامونا وبيننا، مستكملة جملة شقيق رامونا مارون صفير "سقطت آخر ورقة من أوراق "الشجرة القزمة"... بالقول بل انطلقت محلِّقةً إلى رحاب الله، حيث لا ألم ولا حزن ولا دموع...
رامونا صفير، مؤلّفة كتاب "الشجرة القزمة" (الصادر في 2016)، وروت فيه قصّتها مع المرض والإعاقة والمعاناة، آمنت أن الله قزّم جسدها ليكثِّف حضورها ويجَوهِر كيانها. وقد ظلّت تحقق ذلك بإيمان ساطع ومثابرة جبّارة وبطولة خارقة وحضور مشِعّ، إلى أن استجابت لنداء الرب، صباح الاثنين 4 حزيران 2018، ورفرفت روحها "إلى منازل النور والحياة والفرح التي لا يقدر أن يتصورها خيالي". وهذه العبارات هي آخر ما كتبته رامونا...
من أسرة دار سائر المشرق التي كان لها شرف نشر قصتها "الشجرة القزمة" (الذي صدرت منه الطبعة الثانية بعد نفاد الأولى)، نتقدّم من ذويها وقرّائها بأحرّ التعازي، وإننا نعاهدها بأن نستمرّ في إيصال رسالتها إلى حيث يمكن أن يتسرّب الخوف أو التعب أو اليأس، لأنها بالتأكيد ستقلب كلّ شيء رأسًا على عقب، وتقيم الحب حيث البغض والفرح حيث الحزن...
تُقام صلاة الجنازة والدفن على راحة نفسها في كنيسة مار الياس حملايا يوم الثلثاء 5/6/2018 الساعة الرابعة بعد الظهر. كما تُقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة ويوم الأربعاء 6/6/2018 من الساعة الثانية ولغاية الثامنة مساءً.

الإثنين 4 حزيران 2018