الأزمة تستعر بين عون وبري وتنذر بأزمة نظام
بدت مفاعيل ازمة المرسوم الذي فجر مجدداً سجالات عنيفة واستعادات لنقاشات في الدستور والميثاق ومحاضر جلسات مجلس النواب ودراسات وفتاوى مجلس شورى الدولة كأنها ترسم نذيراً مبكراً لأزمة نظام أيضاً من شأنها ان تضيف مواد حارقة اضافية الى مجمل الواقع الداخلي في لحظة انتقاله بين سنة آفلة وسنة مقبلة.
والجانب السلبي الجديد الذي طرأ أمس في تداعيات هذه الأزمة برز في بداية تأثيرها على جدول ترقيات الضباط من حيث تصنيفه بين ترقيات تقليدية مر توقيعها من وزارة المال قبيل نهاية السنة وترقيات "مخالفة " تتضمن اسماء ضباط مشمولين بالمرسوم "الخلافي" جمد توقيع وزارة المال عليها وظلت عالقة. وتبين ان وزير المال علي حسن خليل الذي وقع أمس الترقيات المستحقة للضباط في كل الاسلاك كالعادة قبيل نهاية السنة استثنى مراسيم ترقية ضباط في الجيش بعدما اعتبر انها تتضمن مخالفات بفعل ورودها في مرسوم أقدمية دورة 1994. كما علم ان وزير المال لم يوقع مرسوم ترقية ضباط من رتبة عقيد الى رتبة عميد تضمن تسعة اسماء لضباط من دورة 1994 وارسل كتابا الى وزارة الدفاع الوطني للاستفسار عن ذلك كون وزارة المال "لم تتبلغ أساسا الاقدميات ".
بري استشهد بمداخلة للرئيس فؤاد السنيورة من 20 صفحة في نيسان 2014 لدى انعقاد جلسة لمجلس النواب اعترض فيها السنيورة على اقتراح ترقية ضباط 1994 الذي كان قدمه الرئيس عون ونواب كتلته آنذاك ومن ثم أحيل المشروع على اللجان النيابية بعدما اعترض عليه 50 نائبا. (النهار)
ونقل عن نواب "لقاء الأربعاء" والذي غاب عنه نواب كتلة "الاصلاح والتغيير" انه "من شأن موضوع مرسوم الضباط يكتفي بما قاله أمس الأوّل"، مشيراً إلى ان "هناك اموراً كثيرة تتعلق بالموضوع، لا يرغب بالحديث عنها اليوم، داعياً إلى إعطاء الأولوية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، في وجه الاحتلال الاسرائيلي".
ومع ذلك لم توفّر قناة الـOTV عين التينة، فردت على النقاط الأربع، بما وصفته وقائع مغايرة سواء في ما يتعلق باقتراح القانون الذي قدمه العماد عون، عندما كان نائباً ورئيساً لتكتل الإصلاح والتغيير، ومضمونه وسقوطه في الهيئة العامة أو احالته إلى اللجان، وهو لم يمر في اللجان بسبب تطيير النصاب وليس بالتصويت على الاقتراح الذي وصف بأنه ينصف الضباط، لا في اللجان ولا في الهيئة العامة التي لم يصلها الا في العام 2014 .
وفيما لم يعرف ردّ فعل وزارة الدفاع حيال خطوة وزير المال، باستثناء معلومات رجحت ان تعمد قيادة الجيش إلى وضع مشروع مرسومين، الأوّل باسماء كل الضباط المرشحين للترقية، والثاني من دون أسماء ضباط "دورة عون"، أوضحت مصادر وزارية مطلعة لـ"اللواء" ان الرئيس عون ليس في وارد العودة عن قراره في ما خص مرسوم منح الاقدمية، وليس في وارد التحايل في موضوع المرسوم، على اعتبار انه لا يُشكّل خرقاً للعرف ولا للطائف ولا للقانون، كما انه لا يحتم أعباء مالية ويحفظ الاقدمية فقط، ولفتت إلى ان الاجراء الذي اتخذه الرئيس عون ليس موجها ضد أحد أو نكاية بأحد، وإنما يراد منه إحقاق الحق.
وقال الوزير خليل للصحافيين: لا نقاش بأنّ توقيع وزير المال اساسي على هذا النوع من المراسيم بغض النظر عمن هو وزير المال.
وأعلن ان "الضعيف يذهب للقضاء يعني ان من لديه حجة دستورية ضعيفة هو من يذهب للقضاء"، مشددا على ان الالتزام بالاصول هو الحل. (اللواء)
في المقابل، أكّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ"الأخبار" أن المرسوم صدر، ولا يمكن التراجع عنه، إلا إذا أبطله مجلس شورى الدولة، إن طعن به أحد الضباط المعترضين. ورأت المصادر أن قرار وزير المالية عدم توقيع الترقيات ضرب لمؤسسة الجيش وتضحياتها، وخاصة بعد الإنجازات التي حققتها المؤسسة، سواء على المستوى الأمني في مجال مكافحة الخلايا الإرهابية، أو على المستوى العسكري في عملية تحرير الجرود.
وقد كان بارزاً أمس أول تصريح رسمي لتيار المستقبل تعليقاً على أزمة المرسوم، على لسان النائب محمد قباني، الذي أكد حرص الرئيس سعد الحريري على أن تبقى العلاقة إيجابية مع رئيس مجلس النواب، وهو ما يعكسه موقف الحريري بأنه لم يدخل في الخلاف الكلامي بين الرئيس وبري، وتريث في نشر مرسوم الأقدمية للضباط موضوع الخلاف، ما يشير إلى أنه يسعى إلى حل لا يغضب بري. ورأى قباني أن موقف الأخير "مفهوم ويتعلق بالصلاحيات في ما خص توقيع وزير المال على المرسوم". (الأخبار)
يدفع الجيش اللبناني مجدّداً ثمن الخلافات السياسيّة التي وصلت إلى أمور كانت تُعتبر حتى الأمس القريب جوهريّة، في وقتٍ لم تنفع كل المحاولات السابقة لإبقاء المؤسسة العسكريّة خارج دائرة الاشتباك الرئاسي. وفي حين تتمسّك كل من بعبدا وعين التينة بمواقفهما، تُطرَح أسئلة كبيرة عن الطريقة التي يكافَأ بها الجيش، فضبّاطه الذين لم توقَّع ترقياتهم، وهي حقّ مكتسَب لهم، حملوا أرواحَهم على أكفّهم وقاتلوا "داعش" والتنظيمات الإرهابية في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال، وهؤلاء الضبّاط لم يأبهوا للخطر ولم يتردّدوا يوماً في خوض المعارك لحماية الحدود والداخل، كما أنّ عدداً من رفاقهم ارتقوا إلى مرتبة الشهداء.
وحولَ الاتّهام بأنّ وراء المرسوم خلفيات مذهبية لكونهم أكثرية مسيحية، ذكّرَت الدوائر المعترضين بأنّ الرئيس عون وقّع قبل مدة مرسوماً منح بموجبه الترقية لمجموعة من ضبّاط الصف ضمّت 63 مسلِماً و16 مسيحياً، وهو أمرٌ ينفي هذه التهمة المذهبية".
وقالت مصادر مواكبة للاشتباك بين الرئاستين لـ"الجمهورية": "ما هو سائد بين بعبدا وعين التينة يبدو عميقاً جداً، ولعلّها الأزمة الأكثر عمقاً وصعوبة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي منذ الافتراق الذي جرى بينهما حول الانتخابات الرئاسية ووقوف بري في موقع المعارض لانتخاب عون رئيساً للجمهورية". (الجمهورية)
وقالت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ "البناء" إن "الأزمة بين الرئيسين عون وبري لن تتعدّى الخلاف القانوني والدستوري والميثاقي كما لن تنعكس على عمل المؤسسات وانطلاق عجلة الدولة والمسار الحكومي في معالجة القضايا الحياتية والاقتصادية والمالية"، ونفت المصادر أن "يكون بري قد وجّه اتهاماً الى عون بمحاولة نسف أو الغاء مواد مكرسة في الطائف"، لكنها اعتبرت أن "تجاوز توقيع وصلاحية وزير المال بداية غير مشجّعة لمخالفة الطائف، وبالتالي ما أراده رئيس المجلس هو التدليل على الخطأ والدعوة الى العودة عنه، وفي ذلك فضيلة".
واذ أشارت معلومات الى تذمر واعتراض داخل صفوف ضباط الجيش من دورات مختلفة حيال المرسوم، أكدت مصادر الـ "أو تي في" أن "لا صحة لتسجيل ضباط من دورتي الـ 95 والـ 96 اعتراضات على منح أقدمية لضباط دورة الـ 94". (البناء)
ومع أن "حزب الله" يلوذ بالصمت ولم يصدر من أي مسؤول فيه موقف يشتمّ منه أنه يدعم وجهة نظر أحدهما، ويتفهم الأسباب الموجبة التي كانت وراء إصرار رئيس الجمهورية على أن إصدار مرسوم الأقدمية لا يتطلب توقيع وزير المال علي حسن خليل، بذريعة أنه لا يترتب على سريان مفعوله أي مفاعيل مالية، وهذا ما يعارضه بشدة الرئيس بري، فإن مصادر نيابية مواكبة عن كثب موقف "الحزب" غير المعلن، تؤكد أنه يقف إلى جانب الأخير من دون أي تحفظ.
وترى المصادر عينها أن الرئيس بري لم يقرر الرد على عون إلا بعد التشاور مع "حزب الله" الذي أبدى تفهماً لموقفه انطلاقاً من أن إصدار المرسوم هذا من دون أن يحمل توقيع وزير المال يشكل إخلالاً بمبدأ المشاركة ويتعارض مع اتفاق الطائف.
وبكلام آخر، فإن بري قرر الدفاع عن وجهة نظره بعد أن ارتاح إلى موقف حليفه "حزب الله"، وإلا لمَا ذهب بعيداً -كما تقول المصادر عينها- في السجال مع رئيس الجمهورية.
وتقول إن الاشتباك السياسي بين الرئيسين عون وبري وصل الآن إلى نقطة اللاعودة، وإن "حزب الله" حاول التدخل بعيداً من الأضواء لقطع الطريق على الاصطدام بحائط مسدود الذي يمكن أن ينعكس سلباً على العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية، لكنه لم يفلح.
وبالنسبة إلى علاقة رئيس الحكومة سعد الحريري -الذي كان وقع المرسوم وطلب التريث في نشره- برئيس البرلمان، تقول المصادر إن علاقتهما قبل إصدار المرسوم غيرها بعد إصداره، خصوصاً أن بري عاتب عليه. لكن لا يمكن التكهن إلى أين ستصل الأمور ولا بد من التريث بدلاً من إصدار الأحكام على النيات. (الحياة)
الخميس 28 كانون الأول 2017