­

Notice: Undefined index: page in /home/lbnem/domains/monliban.org/public_html/monliban/ui/topNavigation.php on line 2

الزواج المدني في لبنان إلى متى الانتظار؟

بقلم الدكتور أمين الياس

رغم حلاوة المناسبة وقدسيتها، يبقى الزواج المدني للبنانيين في الخارج مشوبًا بغصَّة. كلامي هذا ليس نابعًا من تنظير فحسب بل من تجربة شخصيَّة عشتها الشهر الماضي بمناسبة زواجنا، حبيبتي وأنا. كنتُ أكتب سابقًا في القانون المدني للأحوال الشخصيَّة عمومًا وفي الزواج المدني خصوصًا من موقعي كمواطن محبّ للبنان وملتزم استقراره وتطوّره وديمومته. هذه المرَّة أودّ الكتابة عن الأمر إنطلاقًا أيضًا من تجربتي الشخصيَّة.
إذ في الثامن من آب المنصرم، توجهتُ وخطيبتي وبعض الأحبة من العائلة والأصدقاء إلى مدينة بافوس القبرصيَّة لعقد قراننا المدني. في الواقع، لم يكن توجهنا المدني نابعًا من رفضنا للزواج الديني، أو تقليلًا من رمزيته وأهميَّته، بل من تقديسنا لحبّنا ولحريّتنا. فحبيبتي وأنا من دينَيْن مختلفَيْن، اجتمعنا على الحب والحريَّة واحترام كلّ منَّا للآخر ولأفكاره وتراثه وثقافته وروحانيّته. كان رأينا أن اشتراط أحدٍ منا على الآخر بتبديل دينه لهو من الظلم والخبث والتعصّب ما لا يمكنه أنْ يتآلف والحبّ الصادق الحرّ. فإذا كان خيارنا احترام كلّ منا لحرية ضمير الآخر، فليس أمامنا سبيلًا للارتباط سوى الزواج المدني. بهذا، يبقى كلّ منَّا على خياره الديني وإيمانه وروحانيّته، بكلّ ما تتضمنه هذه العناصر من التمايز والمشتركات، فنحافظ بهذا على كوننا كيانًا واحدًا (زوجًا واحدًا) اختار ذاته حبًا وحريَّة، وفي الوقت نفسه شخصَيْن مكتملَيْ القرار والحريَّة والفرادة.
لماذا الزواج المدني، لأن الزواج الديني أو الطائفي في لبنان، يشترط بالإجمال أنْ ينتقل أحد الزوجَين كليًّا أو جزئيًا إلى دين الآخر، أو طائفة الآخر. ولعمري إنَّ هذا لمسّ ليس فقط بحريَّة الأفراد وحقّهم في التعاقد حسب مشيئتهم بمن يشاؤون، بل ضربًا لقدسيَّة الحب وبساطته.
المشكل في لبنان أنَّ هذا الزواج المدني، الذي يسمح لكثيرين بالارتباط بحسب أقدس ما عرفتهما البشرية ألا وهما الحريَّة والحبّ، ممنوع ومرفوض ومحارب. ورغم كلّ المحاولات المواطنيَّة التي تبدأ من القرار 60 ل.ر وتنتهي بمشاريع القوانين المدنيَّة الموجودة في الأدراج مرورًا ببعض حالات الزواج المدني التي حصلت في لبنان إبان وزارة العميد مروان شربل، إلا أننا حاليًّا في نفق مسدود يرفض فيه وزير الداخلية الحالي نهاد المشنوق تسجيل الزواجات المدنيَّة المعقودة في لبنان مستندًا إلى حجَّة أنَّ "قبرص ليست ببعيدة" ضاربًا بعرض الحائط ليس فقط حريَّة المواطنين اللبنانيّين وحقوقهم البديهيَّة، بل أيضًا مبدأ السيادة الوطنيَّة.
أعود لوصف لحظة زواجنا المدني في قبرص. قد يكون أهمّ ما فيها أنَّها كانت متحرّرة من همّ المظاهر. هنا لا حاجة للديكور الخارق ولا للزينة الباهرة ولا لما يمكن أن يقوله هذا أو ذاك عن فستان العروس ومكياجها أو بدلة العريس وربطة عنقه. هنا لا همّ لفرقة الزفة ولا للسيارة الخارقة البيضاء. هنا يوجد فقط من لا يكترث لكلّ هذا. هنا فقط من ينظر إليك فقط بسعادة وحب واحترام لخيارك. هنا أهلٌ وأحبة وأصدقاء أتوا من لبنان وفرنسا فقط من أجل أنْ يشاركوك حُبك وحريّتك، وليتمنّوا لك دوام هذه اللحظة الصادقة. إنَّها لحظة البساطة والحقيقة والعمق ليس أكثر. ف
لماذا نُحرم من هذا في لبنان؟ لا جواب طبعًا.
رغم جمال وروعة لحظة الحقيقة والحريَّة والحبّ والبساطة هذه، تعتريك غصّة. إنّها غصّة لها علاقة بشعور اليُتم. نعم، كنّا حبيبتي وأنا ورأحبتنا في هذه اللحظة يتيمي الوطن والدولة. كنّا مجبرين، رغم سعادتنا، أنْ نقف تحت شعار الدولة القبرصيَّة وسيادة قانونها المدني وسلطة أحد موظّفيها (على لطافتهم)، لنعقد قراننا ولنمارس حقّنا الطبيعي في الزواج بمن نشاء. هذه هي الغصَّة، وهذا تمامًا ما لم يستطع أحد من حكّام لبنان حتى يومنا هذا أنْ يشعر به أو يقدّر خطورته. لماذا علينا، كمواطنين لبنانيّين، أنْ نخضع لسيادة الآخرين، فقط من أجل ممارسة حق بديهي طبيعي؟ لماذا نُحرم في لبناننا الجميل من ممارسة مواطنيّتنا الكاملة فنُجبر على استكمال حقوقنا المواطنيّة في دول ديمقراطيّة أخرى؟
كلماتي هذه ليست فقط غصّة، بل صرخة مواطنيَّة مليئة بالتمسّك بالحريَّة وبالحب وبالحقيقة عنوانًا للحياة الإنسانيّة. صرخة تعبّر عن تمسّكنا بلبنان الجميل والمتطوّر، صرخة التزام بلبنان حيث تعلّمنا قيم الحريَّة والحب والجمال. من هنا دعوتنا كلّ من يؤمن بمواطنيّتنا اللبنانيّة، بدءًا بفخامة الرئيس إلى كلّ مواطن لبناني حرّ وساع للحقيقة، للمطالبة بقانون مدني للأحوال الشخصيَّة، نستكمل من خلاله مواطنيّتنا الحرّة.
روميه
8 أيلول 2017

أمين الياس