مقتطف من مذكّرات نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية سابقًا الدكتور إيلي سالم
ينشر "موقع مون ليبان" مقتطفًا من مذكّرات نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية سابقًا الدكتور إيلي سالم، التي ستصدر مطلع العام 2025، وفيه ملخص ما عرضه أمام مجلس النواب، في 16 أيار/مايو 1983، عن مضمون "اتّفاق جلاء القوّات الإسرائيلية من لبنان" الذي جرى تشويه اسمه إلى "اتّفاق 17 أيار".
"اعتليتُ المنصة أمام النواب الحاضرين، وشرعتُ في استعراض ما قبلناه وما رفضناه. ثم أشرتُ إلى مخاطر ترك الأمور تسير من غير وثيقة تُلزم القوات الإسرائيلية بالانسحاب من لبنان بأسرع وقت. وقدّمتُ مشروع الاتّفاق على الشكل الآتي:
يتألّف الاتّفاق من مقدّمة، و12 بندًا وملحق يتناول الترتيبات الأمنية، وخاتمة ومحاضر تفسيرية متّفق عليها حول تفسير بعض نقاطه، وخريطة مرفقة بها. وقلتُ إن عدد الجنود اللبنانيين في المنطقة الأمنية سيفوق عددهم في اتّفاق الهدنة الموقع سنة 1949، إذ سيبلغ نحو 12000 فيما كان 1500 جندي فقط في اتّفاق الهدنة. أما عدد قوّات الأمن الداخلي والشرطة والأنصار في المنطقة الأمنية، فغير محدّد.
يشرف على الترتيبات الأمنية في منطقة الحدود، وضمن لجنة الاتّصال المشتركة، لجنة للترتيبات الأمنية تضمّ ممثّلين عن لبنان والولايات المتّحدة وإسرائيل. وتشرف هذه اللجنة على لجان مشتركة تعمل للتحقّق برًّا وبحرًا وجوًا من أجل التأكّد من سلامة الترتيبات الأمنية.
ولا يختلف اثنان على أن وجود إسرائيليين في اللجان المشتركة للتحقّق هو شيء غير مستحب، ولكن الخيار هو بين وجود 50 ألف جندي إسرائيلي محتلّ، وبالتالي ضياع الجنوب، وبين وجود 50 مراقبًا إسرائيليًا يعملون مع 50 مراقبًا لبنانيًا تحت قيادة لبنانية ولمدّة سنتَين فقط. ثم تمكّنا بعد مشادةٍ كلامية طويلة من وضع بند في الملحق يخوّل لبنان إرسال لجنة تحقيق إلى شمال إسرائيل للتأكّد من أنه ليس هناك حشود عسكرية أو أي عمل من شأنه أن يهدّد سلامة الأراضي اللبنانية، وطالبنا بإلحاح بإبقاء قوّات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان. وتمكّنا من التوصّل إلى نصٍّ يؤمّن وجود بعض قوّات الطوارئ الدولية في ضواحي صيدا، مع حقها بالقيام بدوريات في ضواحي المخيّمات الفلسطينية في صيدا وصور. وبموجب الاتّفاق، تتعهّد القوّات الإسرائيلية بالانسحاب كلّيًا من الأراضي اللبنانية في غضون ثلاثة أشهر.
اقترح البعض أن يعلن الحكم المقاومة الشعبية المسلّحة في الجنوب. إن هذا البديل يفترض مسبقًا تهيئة سياسية وعسكرية تخلق وحدة فعّالة نتجاوز بها ما خلّفته ثماني سنوات من الحرب الداخلية. ولا شكّ عندنا بأنه إذا قرّر الحكم المقاومة المسلّحة ضد إسرائيل، فإن هذا القرار يكون بمثابة حجّة تتذرّع بها إسرائيل بآلتها الحربية المتفوّقة للسيطرة على الأراضي اللبنانية.
لسنا أول دولة في العالم العربي تستعين بالولايات المتّحدة لإجلاء القوّات الإسرائيلية عن أرضها. إن كلّ دولة عربية حاربت إسرائيل اضطرّت، منذ أوائل السبعينات للتعاون مع الأميركيين من أجل فكّ ارتباط الجيوش، أو من أجل تأمين انسحابات معيّنة، أو من أجل تأمين انسحابٍ كلّي. إن كلّ الدول العربية، التي قاتلت إسرائيل، قبلت بترتيبات أمنية على أرضها وفق الخصائص الآتية:
(1) مناطق محدودة السلاح؛
(2) مناطق عازلة؛
(3) مراقبون دوليون أو أميركيون؛
(4) اِتّفاقات أمنية ثنائية؛
(5) تبادل رسائل مع الأميركيين بالنسبة إلى بعض التفاصيل العائدة للترتيبات الأمنية؛
(6) تعهّد علني أو ضمني بإبعاد المنظّمات العسكرية الفلسطينية مسافات معيّنة عن الحدود الإسرائيلية.
إننا ندرك أن هذا الاتّفاق ليس نهاية مآسي لبنان ولكنه، ومن دون شكّ، بداية استعادة لبنان لسيادته ولوحدته.
قابل المجلس النيابي مداخلتي بتصفيقٍ حادٍ وحار. وأقبل عليّ النواب يعانقونني ويصافحونني. وطلب صائب سلام الإذن بالكلام، وحثّ على منح الحكومة الدعم الكامل في جهودها لاستعادة استقلال لبنان وسيادته. وقوبل كلامه أيضًا بالتصفيق الحاد. وبناءً على اقتراح الرئيس صائب سلام، أصدر مجلس النواب توصيةً فوّض بموجبها إلى رئيس المجلس "إعلان إجماع المجلس والتعبير عن صمود الوحدة الوطنية في دعم الحكم لتحقيق السيادة الكاملة للبنان." فأُقرّت هذه التوصية بإجماع النواب الثمانين الذين كانوا يحضرون الجلسة النيابية.
اتّصالٌ من الأمير سلمان (الملك الحالي)
أتت ردود الفعل الخارجية على خطابي في البرلمان كذلك إيجابية، وأبرزها من الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) وحاكم منطقة الرياض آنذاك الذي اتّصل بي هاتفيًا وقال لي: "أهنّئك على هذه الكلمة العقلانية وعلى هذا الشرح المسهب للاتّفاق مع إسرائيل. إن المنهجية العلمية التي لجأت إليها هي الحل الوحيد لمشكلات العالم العربي. يجب أن نستعمل العقل لا العاطفة في إدارة الشأن العام. وإني استأذنت أخي الملك فهد لنشر كلمتك بكاملها في الصحيفة التي أنشرها في الرياض." واستمرّ بمدح الكلمة متمنيًا على العالم العربي أن يلجأ إلى العقل وإلى المنهجيات العلمية الصحيحة لقيادة شعوبنا، فشكرتُه من كلّ قلبي على ثقته بموقفي وبمنهجية التعبير عنه.
بعد الجلسة، استدعاني الرئيس الجميّل إلى مكتبه. قال إنه كان عازمًا على توجيه خطاب إلى اللبنانيين بشأن الاتّفاق، لكنه، بعدما سمع خطابي، ولاحظ تجاوب المجلس النيابي معه، قرّر أن يعدل عن الأمر. وطلب مني أن أطلّ على شاشة التلفزيون، وأتلو البيان نفسه، ففعلتُ ذلك. ولاقى الخطاب الدعم الشعبي في النهار، والقصف المدمّر في الليل.
الإثنين 2 كانون الأول/ديسمبر 2024