الاستحقاق الرئاسي بين وساطتَين
ما بين وساطتَين محلّيتًين يسعى صاحب الأولى منهما النائب الياس بو صعب بصفته نائب رئيس مجلس النواب إلى اختراق الانسداد النيابي والسياسي بحوارٍ نيابي فشلت الدعوة إليه مرّات، فيما يسعى النائب غسّان سكاف إلى دفع الجهود لتوصّل المعارضة إلى التوحّد حول مرشّحها متوقّعًا ذلك في نهاية الأسبوع الحالي، لم تظهر بعد معالم أي اختراق وشيك في الانسداد العام من شأنه أن ينهي شغورًا رئاسيًا بدأ شهره السابع في بداية أيار ولا أفق ملموسًا بعد لانتخاب من يملأه. أما في مناخ الملفّ الرئاسي فإن تحرّك النائب الياس بو صعب بجولته على القوى السياسية والمرجعيات أدرجت في إطار السعي إلى استجماع الموافقات على إعادة تحريك موضوع الحوار البرلماني لإيجاد مخارج للأزمة الرئاسية وإن وساطته هذه لا تتّصل بموقعه ضمن «تكتّل لبنان القوي». ووسّع بو صعب تحرّكه فزار أمس بكركي وأوضح بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي «إننا نحاول إيجاد قواسم مشتركة والحوار مهمّ لإيجاد مخارج داخلية للازمة التي نحن فيها» وأبدى أسفه «لأن المسؤولين الذين يتعاطون في الملف الرئاسي غير مهتمين بعامل الوقت«، معتبرًا أننا «لم نصل بعد إلى مرحلة الأسماء لأن الأفرقاء وانطلاقًا من مبادرة البطريرك لم يتوصّلوا إلى اسمٍ مشترك يطرح للرئاسة»، وأكّد أن «الأمور يجب أن تبدأ بالحوار».
كما زار مركز كتلة «تجدّد» في سن الفيل حيث التقى النائبَين ميشال معوّض وفؤاد مخزومي موضحًا أنه وضعهما «في الأفكار المتداولة وسمعت ردود الأفعال ويمكنني القول إنني لمستُ تقاربًا بيننا في هذه المرحلة والمنطقة آتية على تغييرٍ وانفتاح». وقال معوّض إن «منطلق مبادرة بو صعب سليم ونكرّر أن أي حلّ مبني على منطق استعادة الدولة والشراكة والحلول الأساسية نحن معه».
ومساءً زار بو صعب معراب والتقى رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع في حضور النائب ملحم رياشي ووصف لقاءه مع جعجع بأنه «مميّز ولمستُ انفتاحًا ويمكن أن أقول إن هناك قواسم مشتركة جعجع حريص عليها».
وعقب استقبال البطريرك الراعي لبو صعب نقل عن مصادر بكركي أنّ الحوار بين الأفرقاء السياسيين يكون داخل البرلمان بالذهاب لجلسات متتالية ومفتوحة حتى انتخاب رئيس. وقالت هذه المصادر «ليس صحيحًا أن الأزمة الرئاسية مسيحية بامتياز إنما هي وطنية ومسؤولية الجميع وثمة أفرقاء يعرقلون انتخاب رئيس».
ولفتت المصادر إلى «أن لا فيتو على أحد وحتّى على رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية»، مضيفةً «عندما تحدّث الراعي عن مواصفات الرئيس بأنه يجب أن يكون فوق كلّ الأحزاب قصد بذلك أنه وإن كان حزبيًا عليه أن ينسى حزبه عندما يصبح رئيسًا ويتصرّف كرئيسٍ لجميع اللبنانيّين». (النهار)
على طريقة ركوب الموجة والتسرُّع بإصدار الأحكام والتقييم، سرت أجواء يتيمة عن احتمالات حدوث انفراج رئاسي خلال الأسبوعَين المقبلَين، أي عشية أو بعد القمة العربية في المملكة العربية السعودية في 19 أيار الجاري.
وحسب المعطيات المتوافرة، فإن الحركة الدبلوماسية الجارية، عبر الاتّصالات مع الأطراف المعنية، سواء على مستوى رئاسة مجلس النواب، ليس وحدها مصدر «التفاؤل الغامض» بل ربما الذهاب باتّجاه إحياء التواصل بين الكتل، من خلال حركة نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب، الذي كانت له محطّتان أمس، واحدة في بكركي والثانية في معراب، أو من خلال حركة النائب غسّان سكاف الذي يسعى إلى توحيد كلمة المعارضة النيابية على مرشّحٍ واحد، بمواجهة مرشّح «الثنائي الشيعي» على حدّ تعبير مصدر نيابي في كتلةٍ مسيحية وازنة، النائب السابق سليمان فرنجية ليصار بعدها إلى المنافسة، في صناديق الاقتراع ضمن «تصوّر رومانسي للموقف».
واعتبرت أوساط سياسية أن تحرّك بو صعب لا يزال في بداياته ولا يمكن الحكم على نتائجه منذ الآن فحصوله في هذه الفترة بالذات أي في فترة الجمود الداخلي على الجبهة الرئاسية قد يخرق المشهد المتكرّر من المراوحة وإن لم يفضِ إلى اتّجاهٍ معيّن، معلنةً أن مروحة لقاءاته أظهرت رغبةً في ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للبلاد إنما الإشكالية تكمن في المقاربات المختلفة ولذلك كان بمرر أهمية الحوار.
وقالت لـ«اللواء» إن شخصية بو صعب وقربه من الأفرقاء السياسيين يتيحان له الدخول في مهمّة إجراء التقارب بين جميع الأطراف المتناحرين في ما بينهم واعتبرت أنه يستكمل لقاءاته التي يطّلع فيها على الأراء وعلى ضوء ذلك يقرّر الخطوة التالية مع العلم أن لا مبادرة جاهزة يحملها.
وفي ردّه على سؤالٍ عن البحث في اسم الرئيس مع «حزب الله»، قال بو صعب: لم ولن أتحدّث عن الأسماء، فالموضوع أكبر وأعمق. وأعتقد أن جهد البطريرك في هذا الشأن كان قد مكّن من التوصّل إلى اسمٍ مشترك بين الأفرقاء المسيحيين، برغم أن موضوع الاسم أمر أساسي، إلّا أننا لم نتوصّل بعد إلى هذه المرحلة، فالأزمة أعمق، فما من أحد مستعدّ للتحاور مع الآخر ووضع الهواجس على الطاولة.
أما رئيس الحركة النائب ميشال معوّض فقال: مُنْطَلَقْ مبادرة بو صعب سليم. أننا منفتحون على أي حلٍّ مبني على منطق استعادة السيادة وبناء الدولة، وتكريس مبدأ الشراكة لا الاستقواء والإلغاء، والأولوية لحلولٍ تعالج الأزمات الملّحة التي تهدّد لبنان دولةً وشعبًا.
وعن إمكانية التواصل مع النائب سكاف الذي يطرح مبادرة رئاسية أخرى؟ أجاب: لا أعرف ما يطرحه الزميل سكاف، ولكن ما نتحدّث عنه مغايرًا، باعتبار أنه لا يعالج فقط الأسماء بل الخلاف في البلد، في خضم الركود والجمود الحاصل وانقطاع الحوار بين معظم الجهات. ما نحاول القيام به أعمق وأكبر من مسألة أسماء، ونرى أن العمل وفق هذه الطريقة من الممكن أن يحدث خرقًا ما.
في غضون ذلك، توقّع النائب المستقل الدكتورغسّان سكاف «التوصّل إلى اسم مرشّح المعارضة في نهاية الأسبوع الحالي، ليتمّ بعد ذلك إطلاع بكركي على نتيجة الاتّصالات». وقال: أنّه باقتراح فريق المعارضة مرشّحًا واحدًا يمكن إنجاز الاستحقاق الرئاسي بتنافسٍ ديمقراطي، مشدِّدًا على أن مبادرته «ليست ضد رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، بل هي فقط للإسراع في إنجاز الاستحقاق». (اللواء)
تبدو هذه المرحلة أشبَه بفترةٍ من الوقت الضائع سيليها حتمًا وقريبًا إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فما كُتب قد كتب وما يقوم به بعض القوى والشخصيات من تحرّكات لا يعدو كونه محاولة لإمرار هذه المرحلة أو محاولة يائسة لإحداث تغييرٍ في المكتوب الذي اقترب من أن يعرفه الجميع. (الجمهورية)
الأربعاء 3 نوار 2023